NORTH PULSE NETWORK NPN

لماذا تجاهلت قمة جدة الاحتلال التركي في سوريا؟

نورث بالس

اختتمت أعمال الدورة العادية الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في مدينة جدة السعودية بصدور «إعلان جدة» وهو الوثيقة الرسمية الصادرة عن هذا الاجتماع العربي الدوري إلى جانب البيان الختامي الذي لم يسلط الضوء عليه إعلامياً.

 

يستعرض المركز الكردي للدراسات أبرز النقاط الواردة في إعلان جدة، بغض النظر عن التصريحات التي رافقت القمة أو كلمات الزعماء المشاركين فيها.

 

بدت القمة، من البداية إلى النهاية، احتفاءً بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. ويمكن القول إن الاجتماع كان من أجل سوريا بشكلٍ رئيسي. وهو ملف عملت عليه دول خليجية، في مقدمتها دولة الإمارات وتوجتها المملكة العربية السعودية، من أجل إعادة دمج النظام السوري في النظام السياسي العربي على الرغم من الاعتراضات الأميركية في العلن.

 

وكان لافتاً أيضاً حضور الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي القمة وإلقائه كلمة فيها تمحورت حول الغزو الروسي لبلاده على الرغم من أن معظم الدول العربية لا تخفي مواقفها الأكثر قرباً إلى موسكو في ملف الحرب الأوكرانية. ولعلّ حضور الأسد وزيلنسكي يطرح تساؤلاً عن مدى صحة فرضية أن السعودية دعت الرئيس الأوكراني كتعويضٍ بسيط للأميركيين مقابل حضور الأسد القمة.

 

وما يرجح ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرسل رسالة إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بالتزامن مع حضور زيلنسكي القمة حملت كلمات متفائلة عن استعداد روسيا للتعاون مع الدول العربية لحلّ أزمات المنطقة وأن زيادة التوسع في التعاون متعدد الأوجه بين موسكو والدول العربية يلبي المصالح المشتركة.

 

وهذا الترحيب الروسي بالقمة، من دون الإشارة إلى أي احتجاجٍ ضمني أو مبطن لحضور زيلنسكي مؤشرٌ على أن الحضور الأوكراني متفق عليه مسبقاً مع الجانب الروسي أيضاً مقابل التطبيع مع النظام السوري واستمرار الدول القيادية العربية في تفهم الرؤية الروسية تجاه النظام العالمي الأميركي.

 

في العموم، أكد قادة الدول العربية في مقدمة «إعلان جدة» أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والقيم والمصالح المشتركة والمصير الواحد وضرورة توحيد الكلمة والتكاتف والتعاون في صون الأمن والاستقرار وحماية سيادة الدول وتماسك مؤسساتها والمحافظة على منجزاتها وتحقيق المزيد من الارتقاء بالعمل العربي والاستفادة من المقومات البشرية والطبيعية التي تحظى بها المنطقة للتعاطي مع تحديات العصر الجديد بما يخدم الأهداف والتطلعات نحو مستقبل واعد للشعوب والأجيال القادمة.

 

يمكن قراءة «إعلان جدة» على أكثر من مستوى. فمن جانبٍ، يمثل الهوية النهائية للنظام السياسي العربي بعد 12 عاماً على الثورات والاضطرابات في عدد من الدول العربية. أي أن روح «إعلان جدة» هو حصيلة الصدام الكبير بين الأنظمة ومحاولات تغييرها والتي تحولت معظمها إلى حروبٍ أهلية.

 

ومن جانب آخر، يمثل الإعلان التموضع العربي الجديد في النظام العالمي المضطرب بين القوى الكبرى، حيث يقترب النظام العربي بشكلٍ أكبر من المعسكر السلطوي ويبتعد عن العالم الليبرالي الذي لطالما غضّ الطرف عن الطبيعة غير الديمقراطية للأنظمة العربية.

 

تضمن الإعلان 11 بنداً تم ترتيبها بشكل تقليدي للحفاظ على تقاليد النظام السياسي العربي. لذلك، جاءت القضية الفلسطينية في صدارة البنود ترتيباً وحجماً وحملت مصطلحات مرضية للوفد الفلسطيني إلى القمة. ولم تحمل صيغة البند أي إشارة إلى التقارب التاريخي بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، أو على الأقل التبشير بمرحلة جديدة، على الرغم من التداول المكثف في الإعلام الغربي عن انفتاح السعودية على إسرائيل.

 

بالعودة إلى البند الفلسطيني، أكد الإعلان على «مركزية القضية الفلسطينية لدولنا باعتبارها أحد العوامل الرئيسة للاستقرار في المنطقة، وندين بأشد العبارات الممارسات والانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم ووجودهم كافة، ونؤكد على أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، وإيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين وفقاً للمرجعيات الدولية وعلى رأسها مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي بما يضمن استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وخاصة في العودة وتقرير المصير وتجسيد استقلال دولة فلسطين ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية» .

 

جاء البند الثاني مواكباً للحدث الساخن عربياً والجبهة الجديدة من الحرب الأهلية العربية، وهو الوضع في السودان. وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على اندلاع المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما زالت الاصطفافات العربية غير معلنة، على الرغم من أن المؤكد هو وجود دول تدعم قوات الدعم السريع ضد قيادة الجيش السوداني. ولم يتضمن البند الخاص بالسودان أي مبادرة جديدة، واقتصر على العبارات الإنشائية مثل «ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار وتوحيد الصف والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية، ومنع انهيارها والحيلولة دون أي تدخل خارجي في الشأن السوداني يؤجج الصراع ويهدد السلم والأمن الإقليميين».

 

وجاء الملف السوري في البند الثالث، إذ رحب القادة العرب «بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، ونأمل في أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية، ويحافظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، وأهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها اتساقاً مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة».

 

كما هو واضح، فإن «إعلان جدة» خلا من أي تفصيل يخص الوضع السوري. وتحدث مسؤولون عرب خلال اللقاءات الثنائية والمؤتمرات الصحافية خلال القمة عن محاور تتعلق بإعادة الإعمار والعلاقات مع إيران فيما يتعلق بسوريا، إلا أن الوثيقة الرسمية الصادرة عن القمة هي «إعلان جدة».

 

في البند الرابع، جدد القادة العرب التأكيد على «دعم كل ما يضمن أمن واستقرار الجمهورية اليمنية ويحقق تطلعات الشعب اليمني الشقيق، ودعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية».

 

وخص البند الخامس لبنان حيث دعا «كافة الأطراف اللبنانية للتحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته».

أما البند السادس، فلم يكن مخصصاً لدولة بعينها، إنما تحدث عن إدانة التدخلات الخارجية. ودرجت العادة خلال القمم السابقة أن يكون هذا الموضوع مرتبطاً بالتدخلات الإيرانية حيث كان يتم ذكرها، بما في ذلك الحرس الثوري، بالإسم. وبما أن علاقات الدول العربية الرئيسية شهدت تحولاً في الانفتاح على إيران وتركيا، خلا هذا البند من أي ذكرٍ للدولتين، على عكس الأعوام السابقة، حيث جاء في الإعلان:

 

«شدد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة، ونؤكد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر، وإنما تفاقم معاناة الشعوب وتثخن في تدمير منجزاتها وتحول دون تحقيق تطلعات مواطني دولنا».

 

أما في البيان الختامي للقمة، والذي تضمن 32 بنداً، تم الترحيب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المملكة العربية السعودية وإيران في بكين الذي يتضمن استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح بعثاتهما وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين.

 

أما عن تركيا، أدان البيان «توغل القوات التركية في الأراضي العراقية»، مطالباً الحكومة التركية «سحب قواتها دون شروط»، من دون أن يتطرق إلى الاحتلال التركي لأجزاء واسعة من الأراضي السورية بشكلٍ مباشر واستمرار غاراتها عبر الطائرات المسيرة على البنية التحتية في سوريا، خاصةً في مناطق الإدارة الذاتية. وربما يوضح هذا التجاهل للاحتلال التركي إلى أن الدعم العربي للنظام السوري لا يرقى إلى مستوى إسناد النظام ضد الاحتلال التركي.

 

أما تفسير عدم تضمن «إعلان جدة» إدانة تركيا، فإن الإعلان الذي يكون جزءاً موازياً للبيان الختامي في القمم العربية، يشير عادةً كما في القمم السابقة، وإلى حدٍ كبير، إلى وجهة نظر الدول المستضيفة أكثر من الإجماع العربي الذي ينعكس أكثر في البيان الختامي التفصيلي.

 

أما البنود من 7 إلى 11، فتمحورت حول قضايا غير سياسية بشكلٍ مباشر، مثل الاقتصاد والتنمية والمبادرات السعودية الاقتصادية والثقافية ذات البعد العربي.

 

المصدر: المركز الكردي للدراسات

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.