NORTH PULSE NETWORK NPN

الحرب في أوكرانيا تعيد تدوير الجهاديين في سوريا

نورث بالس

تأمل الجماعات الجهادية في سوريا في هزيمة قاسية لموسكو بكييف مما يغير المعادلات وخرائط النفوذ في دمشق لصالح المعارضة المسلحة وحلفائها، لكن روسيا التي تدرك نوايا الغرب لن ترغب بالهزيمة في سوريا أيضا، وقد تستغل دمشق لتصبح ورقة مُمَهِدة لحل سياسي وتسوية بشأن أوكرانيا تجنب المعسكرين والعالم أجمع سيناريوهات غامضة ومرعبة.

يتابع الجهاديون في سوريا تطورات الحرب في أوكرانيا وعينهم على مستقبل وجودهم، بالنظر إلى أن الحجم السياسي والاستراتيجي الذي تكسبه أو تفقده روسيا على ضوء نتائج الصراع المسلح الحالي في شرق أوروبا، هو الذي يحدد قدرات موسكو المستقبلية على ممارسة الدور الذي كانت تمارسه خلال السنوات الماضية على الساحة السورية”، بحسب مقال للكاتب المصري هشام النجار في صحيفة العرب.

وتراود الجهاديين الذين يسيطرون على الشمال الغربي السوري ومحافظة إدلب أحلام يقظة بأن تؤول الحرب في أوكرانيا إلى خسارة كبيرة ومدوية لروسيا التي تعد اللاعب الأقوى والأكثر نفوذا في سوريا، ما يغير المعادلات وخرائط النفوذ في دمشق لصالح الجماعات المسلحة الموالية لتركيا.

وتمنت عناصر قريبة وموالية لهيئة تحرير الشام على حساباتها على تليغرام انهيار النظام الحاكم في موسكو بالكامل ونشوء نظام جديد لا يتبنى فحسب مقاربات مختلفة تجاه أوكرانيا وحلف الناتو، بل بموازاة ذلك يضعف نظام دمشق الحليف الأقرب لروسيا في الشرق الأوسط، ما يعني منح المجموعات المسلحة هامشاً لإعادة تدويرها من منطلق التوقعات التي رشحت سوريا لتصبح قريباً ساحة من ساحات النزاع الذي يكتسب تدريجيا طبيعة استنزافية وشمولية محاكياً أجواء الحربين العالميتين الأولى والثانية ولو لم يتحول فعليا إلى حرب عالمية ثالثة.

 

أوهام وتحديات

 

ويأمل قادة هيئة تحرير الشام في أن تمضي سيناريوهات الحرب الأوكرانية باتجاه مآلات تغير أوضاعهم المأزومة والمتردية في سوريا، من عينة حدوث انكسار كبير وخسائر فادحة للجيش الروسي يؤدي إلى غضب شعبي روسي يقصي الرئيس فلاديمير بوتين عن السلطة، بما يمهد لتغيير كبير في معادلات الصراع السوري لصالح الهيئة.

ويتوجسون خيفة أيضاً من فرضية انتصار روسيا في أوكرانيا، ما ينعكس إيجاباً على مصالح موسكو ويقوي نفوذها في سوريا، وقد يصل إلى مستوى رغبتها في تعميم انتصارها عبر الضغط بمختلف الوسائل على الولايات المتحدة للانسحاب الكامل من الأراضي السورية.

 

أدوار ومكاسب

 

ليس من المستبعد تصاعد الصراع بين روسيا والناتو على الأراضي السورية على ضوء تطورات الحرب في أوكرانيا، ومن منطلق سيناريوهات محددة قد تحدث في أوكرانيا وشرق أوروبا، مثل نشوب مواجهة مباشرة بين روسيا وحلف الناتو، أو في حال تحقيق روسيا للحد الأعلى من أهدافها العسكرية والسياسية من الوارد أن تعمد واشنطن لتوسيع دائرة المواجهات مع موسكو في أكثر من رقعة، وفي مقدمتها سوريا لوقف تراجع هيبة الغرب في العالم.

ولن تسمح واشنطن ببقاء القوات الروسية مستقرة في سوريا خلال مراحل محددة مع الحاجة الملحة لاستنزاف روسيا في مختلف الجبهات عبر توسيع نطاق المواجهات، ما يلفت لدور متوقع للوكلاء والجماعات المسلحة على الأرض وغالبيتها تشكيلات جهادية تُسند إليها مهام عسكرية متقدمة مثل استهداف القواعد العسكرية الروسية في سوريا.

ويؤدي طول أمد الصراع والاستنزاف للجيش الروسي إلى غضب بالداخل يقود لانقلاب على بوتين وتغيير في هيكل السلطة في روسيا وليس في أوكرانيا، وهو ما ستنتهزه الولايات المتحدة للتدخل بثقلها في سوريا بالتوافق مع تركيا لتصفية النفوذ الروسي وقلب المعادلة لصالح المجموعات المسلحة والجهاديين وحلفاء الناتو على الأرض.

 

ويفرض هذا المسار أدواراً جديدة على الجماعات المتطرفة المسلحة الموالية لتركيا في الساحة السورية وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام، قد تصل إلى مستوى شن هجمات ضد المواقع الروسية وضد الحكومة السورية.

وتتمنى هيئة تحرير الشام وغيرها من الميليشيات المسلحة الناشطة في سوريا أن يُسند لها سريعا هذا الدور من قبل الولايات المتحدة والغرب ويتطور حضور حلف الناتو بسوريا لتخرج من أزماتها المركبة وتعيد تدوير نفسها في المشهد السوري، لأن لديها هواجس من أن روسيا نفسها قد تسبق بدعم هجوم عسكري يطال مناطق غربي وجنوبي إدلب كورقة ضغط في وجه الغرب وتركيا وصرف النظر عن انتهاكاتها في الساحة الأوكرانية.

ويضطر هذا الخيار الولايات المتحدة والدول الغربية للعودة إلى المربع الأول في سوريا بمعاودة التعاون النوعي مع التشكيلات المسلحة، لأن روسيا في حالتي انتصارها أو انكسارها في أوكرانيا قد تبحث عن نصر كامل في سوريا ولن تتوقف ساعتها عند إدلب إنما سوف تسعى لمزاحمة واشنطن على وجودها العسكري شمال شرقي سوريا.

 

ورقة للتسوية

 

ومن المفترض أن يحول تشابك مصالح العديد من القوى العالمية الكبرى والإقليمية التي تلعب أدوارا مؤثرة في الفضاء السوري مثل الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران دون حدوث انعكاسات كبيرة للحرب الأوكرانية داخل سوريا، ويعني حضور إسرائيل التي تربطها علاقات قوية بالطرفين المتصارعين أن تكون الرغبة في التوافق حول الملف السوري مقدمة على التصعيد.

ولا ترغب روسيا حتى إذا هزمت في أوكرانيا أن تنهزم في سوريا ولا يرغب الناتو إذا تشدد في سوريا أن تتشدد روسيا في أوكرانيا لتحمي انتصارها هناك أو العكس، ويعلمون جميعهم أن أولويات الغرب في الملف السوري ليست هي نفسها أولوياتهم في أوكرانيا، فالغرب ليس مختلفا مع روسيا بشأن نفوذه في سوريا، عكس موقفه بشأن رفض الغزو ومد النفوذ الروسي داخل أوكرانيا.

وإذا جلست روسيا على مائدة التفاوض وعُرضت عليها المقايضات فإن شبه جزيرة القرم وجورجيا وأوكرانيا أكثر أهمية بالنسبة إليها من سوريا، حيث تخص المجموعة الأولى الفضاء الحيوي وتمس مباشرة الأمن القومي.

ويعطي الفصل بين الساحتين الأوكرانية والسورية مساحة للحل ومرونة في التعاطي قد تشكل مخرجا للجميع من المأزق العالمي المحتدم الآن ولإبعاد شبح نشوب حرب عالمية ثالثة ومواجهات عسكرية نووية مع روسيا، كأن يكون عدم التصعيد الغربي في سوريا وعدم تغيير معادلات النفوذ في سوريا ورقة مساومة لدفع موسكو لتقديم تنازلات في أوكرانيا.

وبدلا من أن تتحول سوريا إلى ساحة تبادل الرسائل ورغبات الثأر وخطط الاستنزاف بين الفاعلين الدوليين على خلفية التطورات في الساحة الأوكرانية تصبح ورقة مُمَهِدة لحل سياسي وتسوية بشأن أوكرانيا تجنب المعسكرين سيناريوهات غامضة ومرعبة.

في هذه الحالة تحقق روسيا انتصارا مقبولا وخروجا بأقل الخسائر الممكنة وبما يحفظ ماء الوجه من المغامرة الأوكرانية باهظة الكلفة، وتتجنب الدخول في صراع مع القوات الأميركية المتمركزة داخل سوريا، وتحول دون إعادة تدوير الجهاديين وميليشيات المعارضة، والحفاظ على التفاهمات الموقعة مع أنقرة بداية من صيف 2019 حتى مارس 2020.

وبالمختصر فإن التعامل مع سوريا كورقة تسوية لا ساحة خلفية للحرب في أوكرانيا يغلق الباب أمام سيناريوهات عدة ويبقي المناطق السورية التي تسيطر عليها حكومة دمشق ضمن الفضاء الروسي، ويضمن ترك المجموعات المسلحة السورية لمصير التدمير والسقوط الذاتي عاجلا أو آجلا.

المصدر: صحيفة العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.