NORTH PULSE NETWORK NPN

“شباب المجاهدين” وحلم الخلافة في أفريقيا

نورث بالس

بدأ تنظيم “قاعدة الجهاد” يتصدر المشهد الجهادي في العالم، بعد سقوط دولة “داعش” في 22 آذار (مارس) من العام 2019، ولعل مقتل أيمن الظواهري، قبل أكثر من شهر، دفع التنظيمات المبايعة له في أفريقيا لأن تنشط بصورة كبيرة لاعتبارين، أولهما إيصال رسالة بأن “القاعدة” ما زال قوياً وربما أقوى مما كان عليه، وبالتالي لم يؤثر موت زعيمه أيمن الظواهري في نشاطه، والرسالة الثانية، أن الباب بات مفتوحاً أمامه للعودة إلى تصدر المشهد الجهادي بعد مواجهة مع “داعش” منذ العام 2014 وحتى سقوطه.

أعلنت “حركة شباب المجاهدين” الصومالية هذه الرسائل، كونها أكبر الجماعات الموالية لـ “القاعدة” في القارة السمراء، فضلاً عن قوتها العسكرية ومصادر تمويلها التي قد تفوق الحكومة الصومالية نفسها؛ وهو ما يتيح لها تنفيذ أعمال عسكرية سواء داخل الصومال أم في العمق الأثيوبي أم داخل الأراضي الكينية.

“حركة شباب المجاهدين” نشأت في العام 2006 وكانت جزءاً من اتحاد المحاكم الإسلامية قبل أن تنشق عنه بعد انضمام المحاكم الى تحالف المعارضة الصومالية، ونجحت في السيطرة على قرابة 90 في المئة من الأراضي الصومالية، قبل أن تنتبه لمواجهتها الحكومة الصومالية “الضعيفة” ودول الجوار، التي شعرت بخطر الحركة على أمنها القومي وأمن القارة بأكملها.

صحيح نجحت الحكومة الموقتة في الصومال في إسقاط الحركة وطردها من العاصمة مقديشيو في العام 2011، فتراجعت الحركة إلى المناطق الريفية بعدما سيطرت على المدن الكبرى والعاصمة لوقت، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن تخوض الحركة حرباً متعددة الجوانب، سواء ضد الحكومة الصومالية أم ضد الدول التي دعمت هذه الحكومة في حربها ضدها.

هذا ما يفسر سبب العملية العسكرية التي قامت بها الحركة يوم الجمعة الموافق 19 آب (أغسطس) حين نجحت في حصار فندق “حياة” في العاصمة مدة ثلاثين ساعة واحتجاز عدد من الرهائن والمدنيين حتى تمكنت الحكومة الصومالية من تحرير هؤلاء الرهائن وقتل مقاتلي الحركة.

كان هدف الحركة بكل تأكيد قتل أعضاء الحكومة الفدرالية الصومالية، الذين أتخذوا من هذا الفندق مكاناً للاجتماعات؛ فعند تأمل الهجوم الأخير للحركة نتفاجأ بأنه الأكبر من نوعة بعد تولي الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود السلطة في البلاد في أيار (مايو) الماضي، وكأنه إعلان من الحركة ووجودها وقوتها في المشهد السياسي الصومالي.

الحركة تُريد أن تقول إنه لا بقاء لأي حكومة صومالية إلا بالتفاوض معها، ما دون ذلك سوف تكون الفوضى عنوان المشهد في الصومال، وهو ما يُترجم قدرات الحركة مقارنة بالحكومة الصومالية “الفقيرة”.

أشارت تقارير إستخبارية أن تمويل الحركة يتجاوز 15 مليون دولار شهرياً، وأنها تحصل على هذه الأموال من خلال الهجمات، فضلاً عن أعمال القرصنة والضرائب التي تفرضها على المناطق التي تنتشر فيها، حيث تسمح وتمنع المرور لدول الجوار إلا بعد دفع ضرائب انتقال، تمثل ركيزة مهمة في جمع الأموال مع القرصنة.

الأموال التي تجمعها الحركة من الجباية والقرصنة على السواحل الصومالية تمكنها من تسليح نفسها، وبالتالي تنفيذ عمليات عسكرية ضد الحكومة الصومالية، وفي العمقين الأثيوبي والكيني معاً، وقد نجحت الحركة في تنفيذ اعتداء قريب داخل الحدود الأثيوبية، واصفة هذه الحكومة بأنها صليبية كافرة، كمحاولة منها لتبرير الهجوم.

مقاتلو الحركة يصل عددهم إلى قرابة عشرة آلاف مقاتل وفق تقديرات استخبارية، وهو ما يؤكد قوة الحركة وضعف استراتيجيات المواجهة التي تستخدمها الحكومة الصومالية، والدعم المتواضع الذي يقدمه الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن دور المجتمع الدولي، والذي يبدو ضعيفاً هو الآخر أمام قوة الحركة المتنامي.

أريتريا تمثل عمقاً استراتيجياً للحركة، فأغلب مقاتلي الحركة يتلقون تدريباتهم على الأراضي الإريترية؛ ومشكلة قارة أفريقيا لها علاقة بقوة الحركة، فسهولة التنقل بين حدود أغلب العواصم الأفريقية أدت إلى تقوية الحركة التي تتحرك بأريحية من وإلى الصومال، وهنا عززت من قدراتها العسكرية بتدريب مقاتليها داخل إريتريا، فضلاً عن علاقاتها مع تنظيم “بوكو حرام” في نيجيريا، وغيره من التنظيمات المتطرفة ذات الهوى القاعدي في أفريقيا.

وقعت الإدارة الأميركية في خطأ سحب قواتها من الصومال والبالغ عددها سبعمئة جندي في عهد إدارة الرئيس السابق بارك أوباما، في العام 2020، إلا أن إدارة الرئيس الحالي جو بادين، عدّلت من موقفها فأعادت هؤلاء الجنود مرة ثانية في أيار (مايو) الماضي؛ الفراغ الذي أحدثته هذه القوات عاد بشكل إيجابي على الحركة المتطرفة، ولعل ما تشهده الصومال أحد أسباب هذا الفراغ.

ترى “حركة شباب المجاهدين” أن أفريقيا هي القارة الأنسب لإقامة حلم الخلافة الإسلامية، صحيح أن “القاعدة” لا تؤمن بضرورة إقامة هذه الخلافة في هذا التوقيت ولعلها تختلف قليلاً عن “داعش” على الأقل في استعجال الأخيرة إقامة هذه الخلافة، ولكن حلم الخلافة يُداعبها وتبذل جهوداً من أجله.

جزء من استراتيجية “القاعدة” هو إقامة الدولة الإسلامية وهنا يبدو اختلاف في التسمية بين الخلافة والدولة الإسلامية، هي تُريد خلافة ليس بمفهوم “داعش” ولكن برؤية “القاعدة”، في أفريقيا، التي تمثل القارة الغنية بتنظيمات الإسلام السياسي؛ بخاصة أن أغلب هذه التنظيمات ذات هوى “قاعدي”، أي أن ولائها لـ “القاعدة” وليس لـ “داعش”، وهذا ما دفع “حركة شباب المجاهدين” للنشاط خلال الفترة الأخيرة، والإعلان عن نواياها في إقامة الدولة الإسلامية، كما تعتقدة “القاعدة”.

الجهود الدولية في مواجهة “حركة شباب المجاهدين” تبدو متواضعه ودون المستوى، كما أن جهود مواجهة الإرهاب في أفريقيا بأكملها دون المستوى هي الأخرى، وهو ما يُشكل خطورة كبيرة على الأمن والسلام الدوليين، وهنا لا نتحدث عن أمن القارة، الذي يتعرض للخطر أيضاً وإنما عن أمن العالم، وهو ما يتطلب مزيداً من الجهود لمواجهة “حركة شباب المجاهدين” وحلمها بإقامة الخلافة الإسلامية.

 

الكتاب: منير أديب

المصدر: جريدة النهار

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.