NORTH PULSE NETWORK NPN

صدى الأقلام الكردية…..قصص من تراب الحبر والأمل

نورث بالس

في ذكرى عيد الصحافة الكردية، نستذكر مسيرة 126 عامًا مليئةً بالنضال الشجاع والمثابرة الدؤوبة والعبر القائمة. في مثل هذا اليوم من كل عام، يتوجه الأنظار إلى الشموع التي تُضاء في الأرجاء، احتفالًا بمرور عام جديد منذ تأسيس الصحافة الكردية، في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان، وذلك في ذكرى صدور أول جريدة كردية.

 

هذا الحدث، الذي تمت فيه الطباعة من قلب العاصمة المصرية القاهرة، يشكل لحظة جوهرية في تاريخ هوية شعب قد عانى زمنًا طويلًا في سبيل الحفاظ على لغته وثقافته الأصيلة.

 

على مر العصور، كان المثقفون والأدباء الكرد يزخر بإبداعاتهم الثرية؛ غير أن هذا الإرث المعرفي والثقافي واجه مرارًا تحديات جمّة نتيجة جهود طمس الهوية والمحاولات المستمرة لتقويض اللغة الكردية. ففي ظلال النظم التي أهملت كل شيء لصالح تعظيم القوميات السائدة، اضطر الكثير من هؤلاء المفكرين إلى الكتابة بلغات بديلة، حيث لم تكن الحالة مأمونة خاصة في ظل سياسات الدولة التركية، التي سعت دومًا إلى إحلال الهيمنة القومية للأتراك مكان غنى التنوع الثقافي للقوميات الأخرى.

 

ووسط هذه المجابهات الثقافية المتوترة، جاء الارتقاء الحافل بالدلالة مع صدور أول صحيفة كردية بأيدي الأمير مدحت مقداد بدرخان من قلب القاهرة.

 

مدحت ينتمى إلى عائلة بدرخان النافذة والموقرة، التي يعود نسبها إلى القرن الثالث عشر الميلادي، والتي سادت في مملكة بوطان قبل أن تتعرض للإطاحة على يد الدولة العثمانية. ولقد أقدمت النظم الحاكمة التالية، بما فيها النظام الكمالي في تركيا، على قمع الكرد، متهمة إياهم بالمؤامرات والسعي للانفصال، مما دفع العديد من أفراد العائلة بدرخان، مثل أمين عالي بدرخان، إلى الفرار.

 

ومن بين هذه المحن، تمكن مدحت، شقيق أمين، من إنشاء ركن صحفي للتعبير عن صوت الكرد، وقد تحقق ذلك أثناء عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، ليترك هذا الإنجاز بصمتهَ في هيكل الحركة الإعلامية والثقافية الكردية.

 

لقد تبلور الإعلام الحر في روج آفا وشمال وشرق سوريا كأيقونة للحرية الصحفية والتعبير عن الهوية الثقافية الكردية. مع انطلاقة ثورة 19 تموز، استطاع هذا الإعلام تحقيق تحول جذري وملحوظ في مسيرة الصحافة الكردية على مدى 46 عامًا، حيث لم يقتصر الأمر على افتتاح قنوات تلفزيونية ووكالات أنباء، بل تطور ليشمل صياغة وإرساء سياسة بث تعكس تكاتف وتنوع المجتمع الكردستاني.

 

عمل الإعلام الحر على إبراز هوية شعب أُهملت قضاياه وحاولت الأنظمة المستبدة طمس صوته. من خلال الترويج لروح الوطنية وتعريف العالم بجغرافية كردستان، تاريخها، وثقافتها الغنية، ساهم الإعلام الحر في تقريب الهوة بين أفراد الشعب الكردي وتوحيد صفوفهم على الرغم من الحدود الاصطناعية التي فرضها الخصوم.

 

وفي مسعاه للتمثيل الواقعي والشامل، لم يحصر الإعلام الحر دوره في خدمة الكرد فحسب، بل تجاوز ذلك ليعطي صوتًا لثقافات ولغات أُهملت طويلاً، وليصبح منبرًا للتنوع الثقافي، مؤسسًا بذلك لمفهوم جديد من الإعلام معرّف بـ”الإعلام الحر.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.