نيويورك تايمز: موجات نزوح جديدة تشهدها سوريا منذ سقوط النظام السابق
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن موجات نزوح جديدة تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما يعكس هشاشة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. فبعد أكثر من أربعة عشر عامًا من الصراع، تعود مشاهد النزوح الجماعي لتخيّم مجددًا على المدن السورية، هذه المرة وسط انقسامات محلية ونزاعات مجتمعية متصاعدة.
وبحسب التقرير الذي نُشر يوم الخميس، فإن أكثر من 400 ألف شخص اضطروا إلى مغادرة مناطقهم منذ سقوط النظام، وفق تقديرات الأمم المتحدة. وتعود أسباب النزوح إلى مزيج معقّد من العنف الطائفي، والنزاعات على الملكية، وأعمال الانتقام، إلى جانب التدخلات الخارجية التي تفاقم المشهد.
وأشارت الصحيفة إلى أن محافظة السويداء، التي حافظت طويلًا على قدر من الحياد خلال سنوات الحرب، أصبحت اليوم بؤرة لتوترات طائفية واجتماعية غير مسبوقة. فقد شهد شهر يوليو/تموز 2025 اشتباكات دامية أوقعت قتلى وجرحى، وأدّت إلى تهجير مئات العائلات. وتوضح تقارير ميدانية أن عمليات الانتقام والثأر، والنزاعات القديمة على الأراضي والممتلكات، ساهمت في إذكاء هذه المواجهات.
كما ذكّرت الصحيفة بأن السويداء، التي كانت في السنوات الماضية ملاذًا لعائلات نازحة من محافظات أخرى، تحوّلت اليوم إلى منطقة عبور مأزومة تعاني من نقص في المساعدات الإنسانية وتدهور في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية.
وأكد التقرير أن المرحلة الانتقالية في سوريا تواجه اختبارًا حرجًا، إذ تتنازعها قوى محلية متباينة النفوذ في ظل غياب حكومة قادرة على تلبية تطلعات السوريين. ولفت إلى أن استمرار التدخلات الخارجية يزيد من تعقيد المشهد، ويعرقل فرص بناء عملية سياسية مستقرة.
وحذّرت نيويورك تايمز من أن هذه التطورات تمثل إنذارًا مبكرًا لاحتمال تفكك “السلام الهش” الذي تلا سقوط النظام، ما لم تُعالج جذور الأزمة، بما في ذلك قضايا العدالة الانتقالية، وملف الملكيات، وبناء الثقة بين المكونات المجتمعية.
ورغم تنفيذ الأمم المتحدة 19 مهمة إنسانية في الجنوب السوري خلال الأشهر الأخيرة، منها 12 مهمة إلى السويداء، فإن الاحتياجات الإنسانية ما تزال تفوق الإمكانات المتاحة. وتشير تقارير أوتشا (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية) إلى أن نحو 420 ألف شخص يتلقون مساعدات شهرية في محافظات الجنوب، لكن الانكماش الاقتصادي والعقبات الإدارية يضعان الخدمات الأساسية – خصوصًا في مجالات الغذاء والصحة والزراعة – تحت ضغط متزايد.
وتختتم الصحيفة تقريرها بالتأكيد على أن موجات النزوح الأخيرة تكشف أن سوريا ما بعد الحرب لم تبلغ بعد مرحلة الاستقرار. فبدلًا من أن تكون المرحلة الانتقالية جسرًا نحو المصالحة وإعادة الإعمار، تبدو حتى الآن مرحلة هشّة تتنازعها الانقسامات المحلية والنزاعات الإقليمية، في ظل غياب مشروع وطني شامل يضمن الأمن والعدالة لجميع السوريين.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.