NORTH PULSE NETWORK NPN

ما العلاقة بين انفجار بيروت وموعد نطق المحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري؟

لزكين إبراهيم

قررت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مساء أمس الأربعاء، تأجيل النطق بالحكم في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. بعدما كان من المقرر النطق به غد الجمعة 7 آب 2020. ويأتي قرار التأجيل في أعقاب الانفجار الذي هز مرفأ بيروت في العاصمة اللبنانية، وخلف مقتل نحو 135 شخصاً وإصابة نحو 5 آلاف آخرين والعدد مرشح للارتفاع.

أي أن التفجير سبق موعد قرار المحكمة بـ 3 أيام فقط، الأمر الذي يثير التساؤل حول هل لهذا الانفجار علاقة بملف المتهمين بالاغتيال؟ وماذا يعني نطق المحكمة بالحكم على المتهمين؟ وماهي تبعاتها؟

والملفت أن من سيحاكمون في هذه القضية هم 4 أشخاص من عناصر حزب الله اللبناني المتهمين بتدبير التفجير، الذي أودى في 2005 بحياة رفيق الحريري و21 آخرين.

والمحكمة الخاصة بلبنان التي ستنطق بالحكم هي محكمة دولية أسستها الأمم المتحدة ولبنان لمحاكمة المتهمين في التفجير، وفي حوادث قتل سياسية أخرى تمت في البلد في الفترة ذاتها تقريباً. وسيكون الحكم الذي سيصدر في هذه القضية أول أحكامها منذ إنشائها في 2007.

ومنذ تأسيس المحكمة التي وجهت الاتهام إلى خمسة عناصر في حزب الله، أعلن الحزب أنّه لا يعترف بها ويعدّها “مسيّسة” وتخدم مصالح إسرائيل والولايات المتحدة. ولطالما نفى كافة الاتهامات الموجهة إليه ورفض تسليم المتهمين محذراً على لسان أمينه العام حسن نصر الله من “اللعب بالنار”. فهل كانت نيران هذا الانفجار من احدى تحذيرات نصر الله للمحكمة التي ضربت تهديداته عرض الحائط ومضت للنطق بالحكم بحق عناصره المتهمين؟

فمن هم المتهمون بالاغتيال وما صفاتهم وخلفياتهم وأهميتهم لدى حزب الله، ولماذا يحاول الحزب بشتى الوسائل عرقلة إصدار المحكمة حكمها بحق المتهمين أو تثبيت التهمة بشكل قطعي بحقهم؟

باستثناء المتهم الأول وهو مصطفى بدر الدين، القائد العسكري السابق لحزب الله والذي قتل في سوريا العام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية. ولا يُعرف شيئاً عن مكان تواجدهم حتى الآن.

1- مصطفى بدر الدين: يُعدّ المتهم الرئيسي و”العقل المدبر” لجريمة اغتيال الحريري. وجاء في مذكرة توقيفه أنه “خطط للجريمة وأشرف على تنفيذها”. وفي أيار/مايو 2016، أعلن حزب الله مقتل قائده العسكري هذا بالقرب من مطار دمشق في هجوم اتهموا فيه جماعات “تكفيرية” بتنفيذه. وفي تموز/يوليو من العام نفسه، أعلنت المحكمة الدولية التوقف عن ملاحقته بعدما تأكدت من مقتله.

يذكر أن بدر الدين انضم إلى صفوف حزب الله بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. وانخرط في تنفيذ هجمات عدة، طال أبرزها في العام 1983 السفارتين الفرنسية والأميركية في الكويت حيث اعتقلته السلطات هناك.

وفي العامين 1985 و1988، تعرضت طائرتان واحدة تابعة للخطوط الكويتية والثانية تابعة لشركة خطوط جوية أميركية للخطف وتغيير مساريهما. وطالب الخاطفون بالإفراج عن المدانين بالاعتداء على السفارات الأجنبية وبينهم بدر الدين الذي تمكن عام 1990 من الهروب من سجنه خلال الغزو العراقي للكويت.

2- سليم عياش: تتهم المحكمة عياش (56 عاماً)، الذي قالت إنه مسؤول عسكري في حزب الله، بقيادة العملية. وجاء في مذكرة توقيفه أنه “المسؤول عن الخلية التي نفذت عملية الاغتيال وشارك شخصياً في التنفيذ”. وتشمل التهم الموجهة إليه، وفق موقع المحكمة الدولية، وضع “مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي” وقتل الحريري و21 شخصاً آخرين ومحاولة قتل 226 شخصاً.

وفي أيلول/سبتمبر 2019، وجهت المحكمة الدولية تهمتي “الإرهاب والقتل” لعياش لمشاركته في ثلاث هجمات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005. استهدف الهجوم الأول في العام 2004 الوزير السابق مروان حمادة ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة. وأودى هجوم في العام 2005 بحياة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، واستهدف الهجوم الأخير وزير الدفاع آنذاك الياس المر، ما أدى إلى إصابته.

3و4- حسين عنيسي وأسد صبرا: يحاكم كل من عنيسي (46 عاماً) وصبرا (43 عاماً) بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف بثته قناة “الجزيرة” يدعي المسؤولية في اغتيال الحريري نيابة عن جماعة وهمية أطلقت على نفسها “جماعة النصر والجهاد في بلاد الشام” وذلك لإبعاد الشبهات عن حزب الله المنتمين إليه أصلا.

5-حسن حبيب مرعي: قررت المحكمة الدولية ملاحقة مرعي (54 عاماً) العام 2013، وضمت في شباط/فبراير 2014 قضيته إلى قضية المتهمين الآخرين. ووُجهت لمرعي أيضاً اتهامات بـ”التدخل في جريمة ارتكاب عمل إرهابي” وقتل الحريري والقتلى الآخرين عمداً.

وكان من المزمع أن يوضح القرار الذي كانت ستصدره المحكمة يوم الجمعة فقط بما إذا كانت قد تأكدت من أن المتهمين المذكورين مذنبون بما لا يدع مجالاً للشك. وإذا صدر الحكم بالإدانة فستعقد جلسات أخرى لإصدار الأحكام. وأقصى عقوبة ممكنة في حالة الإدانة هي السجن مدى الحياة.

ولكن خشية حزب الله ليست من العقوبة التي ستصدرها المحكمة بحق عناصرها، فهم بالأساس يتم محاكمتهم غيابياً، فالأمر أكبر من ذلك، لأنه مجرد النطق بالحكم وتثبيت التهم على هؤلاء الأشخاص، فهذا يعني تثبيت جريمة اغتيال الحريري “الزعيم السني” على حزب الله “الشيعي” الأمر الذي سيكون له تبعات وعواقب كارثية على الحزب، فالأخير كان يخشى من أن صدور الحكم سيفجر مرة أخرى الوضع بين السنة والشيعة في لبنان وقد يخسر الحزب الكثير من المناطق والمراكز الحيوية في لبنان ومن بينها ميناء بيروت التي استولى عليه الحزب بالقوة عام 2008 بالإضافة إلى المطار وشبكة الاتصالات.

والأهم من ذلك أن النطق بالحكم هو بمثابة اثبات التهمة على حزب الله وكشف الكثير من ملفات الاغتيالات والتفجيرات وزعزعة الأمن في لبنان والمنطقة عامة، وعليه لن يتمكن الحزب بعدها من لعب دوره السابق في إدارة الحكومة اللبنانية والهيمنة على مفاصلها، وسيتبعها ضغوطات أممية ودولية كبيرة لاستخدام ورقة اثبات تلك الجرائم على حزب الله والسعي لكسر شوكته في لبنان وتحجيمه وحتى نزع سلاحه.

لذا فأصابع الاتهام موجهة إلى حزب الله في تعمد احداث هذا التفجير في الميناء حتى لا يدع للبنانيين قوة في الوقوف بوجه الحزب ويلهيهم بهذه الكارثة التي حلت بهم ولتصبح قضية اغتيال الحريري في آخر قائمة اهتماماتهم، ولحين استعادة لبنان عافيته سيكون الحزب قد تدارك موضوع المحكمة التي اضطرت لتأجيل موعد النطق بالحكم، ولحينها يكون الحزب قد اوجد لنفسه أوراق قوة بديلة يضمن له استمرار الهيمنة على لبنان الضعيفة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.