NORTH PULSE NETWORK NPN

لما تُضاء أشجار الميلاد في دمشق و”الغلابة” تعيش في ظلام دامس وبرد قارس

نورث بالس

بعد الانتهاء من الاحتفال الرسمي بإضاءة شجرة الميلاد بفندق «داما روز» وسط دمشق لهذا الموسم، بحضور معاون وزير السياحة، وقفت مجموعة من الفتيات لالتقاط صور تذكارية مع الشجرة وهن يتضاحكن، فيما قالت إحداهن إنها لا تأخذ صورة مع الشجرة، بل مع الكهرباء، وردت صديقتها: «يجب أن نأخذ كثيراً من الصور مع الكهرباء كي لا ننساها». ووسط تعالي ضحكاتهن، تساءلت ثالثة: «شو يعني كهربا؟».

لا حدود للكوميديا السوداء في سوريا، ما دام أن الواقع المعيشي يزداد رثاثة، فسؤال «من أين تصل الكهرباء؟» هو الأكثر تكراراً منذ بدأت المحلات التجارية الكبيرة والفنادق والمطاعم الخمس نجوم بإضاءة أشجار الميلاد، وسط ظلام دامس يخيّم على معظم المناطق السورية، مع تجاوز ساعات قطع الكهرباء الـ20 ساعة في اليوم، الأمر الذي حوّل العاصمة إلى مدينة أشباح، خلا بؤر ضوئية صغيرة متناثرة تنشط فيها الملاهي الليلية.

«الأفضل إشعال شمعة، بدل هدر الكهرباء في زينة تزيد في قهر الناس، عوض أن تجبر خاطرهم»، قالت سيدة دمشقية لأحد وسائل الإعلام، لتصف شعورها برفع زينة الميلاد في بعض شوارع دمشق. وتابعت: «لمن يضيئون شجرة الميلاد، إذا كانت الكهرباء تنقطع كل اليوم تقريباً، والمصالح والأشغال معطّلة، والأسعار كاوية، ومن شدة البرد والظلام لا تغادر الغالبية الفراش ليلاً؟!».

ويلاحظ المتابع للمشهد العام في العاصمة دمشق بوضوح ظهور شرخ اجتماعي جديد، على خلفية الأزمة الحادة في توفر مواد الطاقة، وارتفاع أسعارها، بعد قرارات تقليص الدعم الحكومي، وتخفيض حجم خسائر القطاع العام. وقد أصبح توفير الكهرباء من دون انقطاع ضمن ميزات الأماكن ذات النجوم الخمسة، يُشار إليها في الإعلانات التجارية لجذب من يملك إليها سبيلاً من أصحاب القدرة المالية، إذ لا يقل معدل الإنفاق للفرد في تلك الفنادق عن نصف مليون ليرة في اليوم الواحد، وعن 60 ألف ليرة للشخص في المطاعم.

رجل مسن كان يساوم بائع كهربائيات على سعر بطارية كبيرة يستخدمها لإنارة منزله قال: «البطارية التي نستخدمها لم تعد تشحن.. عدنا إلى إشعال الشموع». وتابع في سؤال لا جواب عنه وهو يخاطب البائع: «من وين عم يلاقو كهرباء لإضاءة أشجار الميلاد والزينة، أم أصبحنا ناس بكهربا وناس من دون؟!».

وكانت وزارة الكهرباء في دمشق قد طرحت، الشهر الماضي، الحصول على الكهرباء دون انقطاع لفئة «كبار المشتركين»، من فعاليات صناعية وتجارية وسياحية، مقابل سعر خارج التسعيرات للكيلوواط الساعي الواحد. وحددت تعرفة مبيع الكيلوواط الساعي لاستجرار الكهرباء على التوتر 20 بسعر 300 ليرة للكيلو، ولكامل الكمية المستهلكة؛ أي نحو 300 ألف ليرة سورية مقابل كل ألف كيلوواط ساعي، بمعدل شهري قد يتجاوز 6 ملايين ليرة سورية (الدولار الأمريكي الواحد يعادل 3400 ليرة). وقد سبق قرار تخصيص فئة «كبار المشتركين» قرار برفع أسعار تعرفة الكهرباء في معظم الشرائح، بنسب تراوحت بين 100 في المائة و800 في المائة، بزعم الدفع نحو الاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة لتغطية جزء من استهلاك الكهرباء، وتخفيض الخسائر المالية لدى مؤسسات الكهرباء، بتقليص مبلغ الدعم، وتوفير السيولة المالية لاستمرار عمل المنظومة الكهربائية. وهذا بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الكهرباء التي أفادت بأن التكاليف السنوية لقطاع الكهرباء تصل إلى 5.3 تريليون ليرة سورية، بينما لا تتجاوز الإيرادات وفق التعرفة السابقة حد 300 مليار ليرة سورية.

الفعاليات الاقتصادية والدينية في سوريا بدأت قبل أيام بنصب شجرة الميلاد، وإقامة الاحتفالات لحظة إنارتها بالاعتماد على المولدات. وأظهرت صور تداولها السوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي أشجار الميلاد منارة وسط محيط مظلم، وأخرى انتصبت إلى جوار مولدات كهربائية.

يشار إلى أن الحكومة السورية تشجع المبالغة في إظهار زينة الميلاد، بصفتها دليلاً على انتصاره في المعركة ضد معارضيه الذين يضعهم في خانة «الإرهابيين الإسلاميين». وما زال السوريون يتذكرون الزينات التي انتشرت في دمشق ومعظم المدن السورية نهاية عام 2019، والتي ظلت منارة لمدة شهر كامل، مع تخفيض ساعات تقنين الكهرباء، وما إن انتهى موسم الأعياد حتى دخل السوريون في نفق انقطاع الكهرباء وكل مواد الطاقة، والموجات المتتالية لارتفاع الأسعار.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.