NORTH PULSE NETWORK NPN

غزوة الجولاني لعفرين… كباش أميركي – تركي يتجاوز اقتتال الفصائل السورية

نورث بالس

لا تزال تداعيات غزوة عفرين التي نفذتها “هيئة تحرير الشام”، تتفاعل على الصعيدين المحلي والدولي، وسط مخاوف من احتمال حدوث مفاجآت جديدة قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في خريطة السيطرة على المنطقة.

وعلى الرغم من انقضاء أسبوع على توقيع آخر اتفاق لوقف إطلاق النار بين “هيئة تحرير الشام” و”الفيلق الثالث”، يظلّ الغموض مهيمناً على المشهد في منطقة غصن الزيتون الخاضعة للاحتلال التركي خصوصاً بعد تضارب الروايات حول مضمون بنود الاتفاق، وعدم وضوح حقيقة الموقف التركي من تطورات الصراع في المنطقة وما هي خطته للتعامل مع الواقع الذي فرضته “هيئة تحرير الشام” من خلال سيطرتها المباغتة على مدينة عفرين وسط تقاعس الفصائل الموالية لتركيا عن الدفاع عنها.

ومن غير الواضح، حتى الآن، ما إذا كان انسحاب القوات التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” من مدينة عفرين، خلال الأيام الماضية، قد جاء بفعل ضغوط تركية كما ذكرت بعض التسريبات التي حددت فجر يوم الخميس الماضي كمهلة أخيرة للانسحاب، أم أنه يأتي في سياق مخطط الهيئة التي لا تريد أن يكون لها حضور عسكري كثيف في عفرين نتيجة ما يمكن أن يجرّه ذلك من تبعات إقليمية ودولية، مستغنية عن ذلك بالحضور المموَّه تحت غطاء الفصائل المتحالفة معها مثل فرقة الحمزة وفرقة سليمان شاه والقطاع الشرقي من “أحرار الشام” (الفرقة 32).

ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية لم تحصل على ضمانات كافية من الجانب التركي بخصوص الانسحاب الشامل لمقاتلي “هيئة تحرير الشام” من مدينة عفرين، وهو ما طالب به الأميركيون على موقع سفارة واشنطن في دمشق على تويتر بعد أيام من اندلاع الاقتتال. وجدد أمس، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، المطالبة بخروج الهيئة من عفرين، مؤكداً، في صيغة تهديدية واضحة، أن بلاده لديها الوسائل للقيام بذلك.

وقال برايس في المؤتمر الصحافي اليوميّ إنّ واشنطن “تركز مع شركائها في المنطقة على إخراج الهيئة من مدينة عفرين”، في إشارة إلى تركيا التي كان موقفها ملتبساً من مغامرة الجولاني وسط حديث عن وجود خلافات داخل الطاقم الجديد الذي تولى المسؤولية عن إدارة الملف السوري بعد تعيين أعضاء الطاقم السابق سفراء في عدد من الدول العربية والغربية.

وأوضح برايس أن “عدم الاستقرار في سوريا، وقدرة الجماعات المتطرفة والإرهابية على استخدام الأراضي السورية للتخطيط ولتشكيل قاعدة لها، مصدرا قلق لنا جميعاً”.

وأكد المسؤول الأميركي أنه “لدينا مجموعة من الأدوات لإخراج الهيئة من عفرين، وسنواصل استخدامها بالشكل المناسب”.

ورداً على سؤال عن عدم انسحاب “هيئة تحرير الشام” من المدينة، واستخدام أعلام فصائل أخرى في المنطقة، قال برايس إن واشنطن “تراقب ذلك عن كثب”، من دون أن يقدم تفاصل إضافيّة.

ومن الواضح أن واشنطن لا تثق بقدرة أنقرة أو ربما بإرادتها في إيجاد حل نهائي وسريع لإعادة الوضع في مدينة عفرين إلى سابق عهده، وهو ما يتطلب عملياً إجبار أبو محمد الجولاني على سحب جميع مقاتليه وعناصر أجهزته الأمنية من عفرين ومحيطها، وعدم السماح له بفرض “سيطرة الظلّ” من خلال اتخاذ الفصائل المتحالفة معه كغطاء لتحقيق ذلك.

وجاءت إشارة الأميركيين إلى وجود أدوات يمكن لواشنطن استخدامها لإخراج مقاتلي الهيئة من عفرين كتهديد صريح وعلني لهؤلاء بضرورة الانسحاب من المنطقة، ولكنهم وجهوا ايضاً رسالة إلى أنقرة بأن واشنطن لن تنتظر طويلاً قبل أن تشرع بأداء المهمة بنفسها أو عبر حلفائها في “قوات سوريا الديموقراطية” إذا لم تحصل على ضمانات موثوقة من أن تركيا قامت بذلك.

وقد ارسلت أنقرة إشارات متضاربة، خلال الأيام الماضية، حول موقفها من سيطرة الجولاني وحلفائه على مدينة عفرين. فعلاوة على تسريبات غير مؤكدة عن ضغوط مارستها الاستخبارات التركية لدفع مقاتلي الهيئة إلى الانسحاب من عفرين قبل فجر يوم الخميس الماضي، قادت أجهزة الأمن التركية حملة اعتقالات ضد أعضاء يشتبه بانتمائهم إلى “هيئة تحرير الشام”.

ونقلت “وكالة الأناضول” عن مكتب النائب العام، الاثنين الماضي، أنه في نطاق التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيق في الجرائم الإرهابية، صدرت مذكرات توقيف بحق 11 مشتبهاً تبين أنهم يعملون ضمن “هيئة تحرير الشام”.

وبحسب المصدر فإنه تبيّن في ما بعد أن 9 من المشتبه بهم ينتمون إلى التنظيم المذكور، وتم اعتقالهم في العملية التي بدأتها فرق مكافحة الإرهاب بإدارة شرطة العاصمة أنقرة.

وذكرت مصادر أمنية أن الموقوفين كانوا على صلة بـ”هيئة تحرير الشام” في إدلب، وأنه تم خلال العملية ضبط عدد كبير من الوثائق التنظيمية، وموادَ رقمية، فيما لا تزال الجهود تبذل للقبض على المطلوبين الآخرين.

وقد تكون هذه الحملة المفاجئة، وإن لم تكن سابقة من نوعها، بمثابة ضغط إضافي تمارسه أنقرة على “هيئة تحرير الشام” من أجل دفعها إلى التخلّي عن عفرين والعودة إلى إدلب. ولكنها قد لا تتعدى أن تكون مجرد محاولة لامتصاص موجة الغضب الإقليمية والدولية التي أثارتها سيطرة الجولاني على عفرين، من دون أن تنطوي على أي قرار سياسي حقيقي بتحقيق ذلك على المدى المنظور.

وما يعزز من ذلك، أنه في خضمّ الجدل الدائر حول انسحاب الجولاني من عفرين من عدمه، وما إذا كان سيموّه وجوده بغطاء الفصائل الأخرى، قامت القوات التركية في مدينة رأس العين التابعة لمنطقة نبع السلام التي احتلتها تركيا عام 2019 بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع فرقة الحمزة التي تعتبر السبب الرئيسي المباشر لاندلاع القتال في عفرين بعد اتهام قادتها بالوقوف وراء مقتل الناشط محمد أبو غنوم وزوجته الحامل، كما أنها تُعتبر من أبرز الفصائل التي تحالفت مع الجولاني وسهّلت له مهمة اقتحام مدينة عفرين ومدّ سيطرته على مساحات واسعة من منطقة غصن الزيتون.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف تدّعي أنقرة أنها تعمل على إخراج الجولاني من عفرين بينما تستمر في تقوية حلفائه والتستر على تحالفهم معه من خلال دعمهم مادياً أو تسليحهم وإجراء تدريبات مشتركة معهم؟.

 

المصدر: جريدة النهار

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.