NORTH PULSE NETWORK NPN

ديون الأسد لإيران واتفاقاته السرية

هي سابقة، تلك التصريحات التي أطلقها وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهراد بزر باش، من دمشق. إذ أنها استهدفت إحراج النظام السوري، والضغط عليه، علناً، هذه المرة، بخصوص ملفٍ لطالما غلب عليه التكتم بين مسؤولي البلدين، باستثناء تصريحات عابرة، لم يسبق أن وصلت إلى هذا المستوى من الجرأة الرسمية الإيرانية، ومن العاصمة السورية، وليس من طهران.

 

فالوزير الإيراني تحدث عبر صحيفة “الوطن” المقرّبة من النظام، عن تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الديون، و”المستحقات لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”، حسب وصفه. وفي معرض حديثه، قال إنه “كانت هناك اتفاقات سابقة تخص إعطاء أراض بدل هذه الديون”. مضيفاً أن الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا، لكن “يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”، حسبما ما ورد في تقرير الصحيفة.

 

تكشف تلك التصريحات حيثية مثيرة للاهتمام، حينما قال “المستحقات لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”. فهل يعني ذلك أن السلطات الإيرانية لا تعرف الحجم الدقيق لهذه الديون؟، أم أن هناك خلافاً بين النظام والسلطات الإيرانية حول هذا “الحجم الدقيق”؟ بطبيعة الحال، لا نجد جواباً، إذ أن التصريحات التي شكّلت صدمة لكثير من السوريين، كانت كفيلة بالكشف –رسمياً هذه المرة- عن وجود اتفاقات سرّية يعقدها النظام السوري مع حلفائه.

 

والآن، سرّية تلك الاتفاقات، باتت مفهومة. فهي تخالف “الدستور السوري”. “الدستور” ذاته، الذي أعدته لجنة كلّفها بشار الأسد، وصُودِقَ عليه بعد استفتاء في ظل سلطته الأمني، في العام 2012. إذ تنص المادة الأولى منه على أن “الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها..”.

 

أما عبارة الوزير بزر باش: “الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا، لكن يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”. تكشف في شقها الأول عن أنه “طفح الكيل” بالسلطة الرسمية الإيرانية، حيال تهرّب النظام من الوفاء بالاتفاقات التي وقّعها “سرّاً”. وأن إيران غير مستعدة للانتظار أكثر، في وقتٍ يختبر فيه النظام مساعي التطبيع معه، من جانب تركيا ودول عربية وخليجية. أما الشق الثاني من العبارة، فلا نعرف إن كانت الترجمة لها غير دقيقة، أم أن الوزير أساء التعبير. لكنه، دون شك، يشير إلى الاستياء الإيراني، الذي طفا على السطح أكثر من مرة، بخصوص مصير الأموال الإيرانية التي أُنفقت لإنقاذ نظام الأسد، والتي ما تزال تُنفَق، حتى الساعة.

 

وهو استياء، انتقل إلى المستوى الرسمي، أكثر من مرة، وكان أشهر تعبير عنه، تصريح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمة الله فلاحت، قبل نحو 3 أعوام، حينما طالب حكومة بشار الأسد بوفاء الديون المترتبة عليها لإيران.

 

وهو التصريح الذي نُقل عبر وكالة “إرنا” الرسمية، حينها.

 

واليوم تبدو إيران جادة أكثر من أي وقت سبق، في إجبار الأسد على تنفيذ تعهداته السابقة -“السرّية”. وهو ما أشار إليه الوزير الإيراني في معرض تصريحاته، حينما قال: “للوصول إلى علاقات حيوية بين البلدين يجب اتخاذ قرارات كبرى”.

 

وهي المقدمة التي سبقت حديثه عن اللجان التخصصية الثمان التي تم تشكيلها مع المسؤولين السوريين المعنيين، لبحث ما يهم إيران –اقتصادياً- في سوريا.

 

فأية أراضٍ تريدها إيران في سوريا؟ وأين؟ وكم تبلغ مساحتها؟ بعض الصحافيين الاقتصاديين اختلط عليهم الأمر في قراءتهم لتصريحات الوزير الإيراني، حينما أشاروا إلى الـ 5000 هكتار من الأراضي الزراعية التي قال الوزير إنه تم سابقاً النقاش حول منحها لإيران بهدف زراعتها. إذ أن تصريحات الوزير بهذا الخصوص، تتحدث عن “نقاش” لا “اتفاقات”، وعن نقل خبرات وتجارب إيرانية في حال “تمت الموافقة”، وعن لجنة متخصصة ستعنى بهذا الشأن. فيما ستُخصص لجنة أخرى لبحث ملف الديون، الذي كان حديث الوزير بخصوصه، مباشراً، ويؤكد وجود “اتفاقات” لمبادلة أراضٍ مقابل الديون.

 

ومع عدم وجود أية معلومة حول حجم ونوعية ومكان الأراضي التي تريدها إيران في سوريا، يصبح التخمين أسهل لو كان من المتاح معرفة “الحجم الدقيق” لديون إيران على سوريا. لكن ذلك أيضاً، غير متاح، وإن كانت التقديرات المتداولة تؤشر إلى حجم ديون مهول، قياساً لقدرة الاقتصاد السوري على الإيفاء. وفيما تقول مصادر رسمية إيرانية إن هذه الديون تتراوح ما بين 20 إلى 30 مليار دولار، تقول مصادر إيرانية معارضة إنها تتراوح ما بين 30 إلى 40 مليار دولار، فيما تقول مصادر سورية معارضة، متخصصة بالشأن الاقتصادي، إنها قد تصل إلى نحو 60 مليار دولار، وفق تقديرات تستند إلى حجم المورَّد من النفط الإيراني والأسلحة والمعدات، على مدى السنوات العشر الماضية. وعدّاد هذه الديون، ما يزال يعدّ. فإيران ما تزال تورّد ناقلات النفط تباعاً إلى سوريا.

 

وقد سبقت زيارة الوزير الإيراني، وتصريحاته المباشرة، زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق، هي الأولى منذ العام 2011. زيارة، قالت صحيفة “الوطن” ذاتها -التي سبق أن نقلت تصريحات الوزير الإيراني- إنها ستتضمن “تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين وخصوصاً في الجانب الاقتصادي”. وأنه سيتم على هامشها، التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الخاصة بالتعاون الاقتصادي.

 

وهكذا، تمارس إيران ضغطاً مكثّفاً على الأسد، لمنحها امتيازات اقتصادية غير مسبوقة، تتجاوز تلك الممنوحة لروسيا، التي أجّرها موانئ وموارد طبيعية لنصف قرن. إذ المطلوب منه، إيرانياً، التنازل عن ملكية أراضٍ سورية، في سابقة تتنافى مع “السيادة الوطنية” التي صدع إعلامه الرسمي رؤوسنا بها. وهي سابقة، تبقى في رسم الراغبين الخليجيين بالتطبيع مع الأسد، بغية الحد من النفوذ الإيراني.

 

الكاتب: إياد الجعفري

 

المصدر: جريدة المدن

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.