NORTH PULSE NETWORK NPN

السلطة الانتقالية تُدير البلاد بعقلية النظام البعثي

منذ سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول / ديسمبر الماضي، كانت آمالُ السوريين معلقةً على أن تكون الحكومةُ الانتقالية بوابةً حقيقية، لتأسيس عهدٍ جديدٍ من العدالة والتشاركية والمواطَنَةِ المتساوية.

غير أن ممارسات هذه الحكومة، خاصةً في تعاملها مع إقليم شمال وشرق سوريا، تكشف عن استمرار العقلية ذاتها التي حكمت البلادَ لعقود، ولكن بوجوهٍ جديدة وشعاراتٍ مختلفة.

فعِوَضاً عن انتهاج سياسةِ الحوار والتقارب، اختارت الحكومةُ الانتقالية أن تتعامل مع الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا بعقليةِ الإقصاء والتهميش، رافضةً الاعترافَ بواقعٍ سياسي واجتماعي متماسك، أثبت خلال السنوات الماضية قدرتَهُ على إدارة منطقةٍ واسعةٍ ومتنوعة من المكونات العرقية والدينية.

تعامُلُ الحكومة الانتقالية هذا لا يختلف كثيراً عن النهج الذي اتبعه النظام السابق، والذي لطالما اعتبر أي نموذجٍ ديمقراطي محلي تهديداً لوحدة الدولة، في حين أن الحقيقةَ كانت أنه يخشى من أي تجربةٍ ناجحة، تُخرِج القرار من دائرة المركزية الضيقة في دمشق.

اللافت في المشهد اليوم، أن الحكومة الانتقالية تكرر الأخطاء ذاتها، مُستخدمةً خطاباً يُخفي وراءه هواجسَ السيطرة والهيمنة، لا روحَ الشراكة والتفاهم الوطني.

ورغم كل الدعوات الموجهة من قِبل الإدارة الذاتية لفتح قنواتِ حوارٍ مباشر حول مستقبل البلاد، ما زالت الحكومة تتعامل معها بتحفظٍ كبير، متجاهلةً حقيقةَ أن هذه المنطقة تعدُّ من أكثر المناطق استقراراً وأمناً في سوريا ما بعد الحرب.

لكن ما وراء الكواليس يبدو أوضحَ مما هو في العَلن، إذ يؤكد مراقبون أن هذا النهج المتشدد تجاه الإقليم، ليس نابعاً فقط من رؤية الحكومة الانتقالية نفسها، بل من تأثيراتٍ وضغوطٍ خارجية، وعلى رأسها تركيا، التي ترى في أي نموذجٍ ديمقراطي في شمال وشرق سوريا، تهديداً مباشراً لمصالحها ولمفهومها الأمني، القائمِ على منع قيام أي كيانٍ ذي طابعٍ كردي أو تعدُّدي على حدودها الجنوبية.

ولذلك، فإن الحكومة الانتقالية، بدلاً من أن تعمل كجسرٍ يوحد السوريين، بدأت تنجرف نحو سياسةٍ قديمةٍ مُتجددة، هدفُها إرضاءُ الأطراف الإقليمية على حساب التماسك الوطني، لا سيما رفضها عقدَ جلساتٍ تفاوضية مع الإدارة الذاتية، عقب زيارة وزير خارجية النظام التركي حقان فيدان إلى دمشق.

تحكُّمُ النظامِ التركي بالحكومة السورية الانتقالية لم يقتصر على الشق الدبلوماسي فقط، إذ ما زالت فصائله الإرهابية مستمرةً في انتهاكاتها بحق السكان الأصليين في عفرين، وسري كانيه/رأس العين، وكري سبي / تل أبيض، وما حدث مؤخراً في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، ليس إلا حلقةً جديدةً من تلك الانتهاكات.

الحكومة الانتقالية ورغم ادعائها بأنها تحفظ حقوق كافة السوريين، إلا أنها استبعدت مكونات شمال وشرق سوريا مما سمّته الحوار الوطني، قبل أن تعودَ وتنكرَ أي وجودٍ لمكوناتٍ مختلفة في سوريا، بعد صياغة إعلانٍ دستوري كرّس حكمَ الفرد، أكثرَ مما كان قائماً إبّان أيام النظام السابق.

ويرى مراقبون أن سياسةَ الإقصاء هذه، تُضعِف فرص بناء سوريا جديدةٍ تَسَعُ الجميع، فالإصرار على استبعاد القوى المحلية الفاعلة من أي عمليةٍ سياسيةٍ أو تفاوضية، يعني إعادة إنتاج نفس الأزمة، التي فجّرت البلاد قبل أكثر من أربعة عشر عاماً.

وبدل أن تكون الحكومةُ الانتقالية نموذجاً للشفافية والانفتاح، أصبحت تُعيد إنتاج لغة التخوين والتشكيك، وتُغذي خطاب الانقسامِ والرِّيبة بين المكونات السورية.

في نهاية المطاف، صدقَ المثلُ الشعبي حين قال، إن الحقيقةَ واضحةٌ كالشمس لا تُغطى بغربال، فمن يرفضُ الشراكة يزرع بذور الانقسام، وإذا استمرت الحكومة الانتقالية في إدارة البلاد بعقلية النظام القديم، فإن كلَّ ما تغيّر في سوريا سيكون فقط في الأسماء، بينما ستبقى السياساتُ على حالها، تُدار من الخارج وتُنفّذ في الداخل، والضحيةُ كالمعتاد هو الشعب السوري بكل مكوناته.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.