الجنوب السوري يتـ.ـجه لتطـ.ـبيق استراتـ.ـيجية الدفـ.ـاع الذاتي لمـ.ـواجهة تدهـ.ـور الأوضـ.ـاع الأمـ.ـنية
على الرغم من مرور أكثر من شهرين على سقوط النظام البعثي، لا تزال السلطة الجديدة في دمشق عاجزة عن ضبط الوضع الأمني في مناطق سيطرتها، وحماية المكونات الأخرى من المسيحيين والعلويين والدروز والكرد الذين يمتلكون ذكرى مريرة عن الانتهاكات التي تعرضوا لها منذ عقود على يد النظام والتنظيمات المتطرفة ولايزال، وبالتوازي مع نجح الكرد وبعض المسيحيين والإيزديين والمجتمع المحلي العربي في شمال وشرق سوريا في تجربة “الدفاع الذاتي” للدفاع عن مناطقهم، تكللت بعقد شراكة استراتيجية مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تسبب خضوع الكثير من فصائل المعارضة للوصاية التركية بفقدان قدرتها على تحقيق الأهداف التي تشكلت من أجلها وأضطرت للرضوخ لصفقات استانا وسوتشي بإجراء التسويات مع النظام أو الانتقال إلى المناطق التي تحتلها تركيا في الشمال السوري، الأمر الذي أفقد المجتمعات المحلية قدرتها على حماية نفسها ضد المظالم التي تتعرض لها. وبعد انهيار النظام تواجه المجتمعات المحلية تحديات أمنية كبيرة بسبب موجة العمليات الانتقامية التي تشهدها معظم مناطق الداخل السوري، ففي قرية “موسى الحوله” في ريف حماة قُتِل شاب ذبحاً ومثّل بجثه وجرى حرقها، كما قتل آخر بالرصاص المباشر في جريمة مروعة، ارتكبها مسلحين مجهولين، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أحصى منذ مطلع عام 2025 168 عملية انتقام وتصفية، راح ضحيتها 305 شخصاً، هم: 297 رجلاً، و7 سيدات، و1 طفل في مناطق متفرقة، لدوافع طائفية أو سياسية.
ويشهد الجنوب السوري استمرار في تدهور الوضع الأمني، حيث تسجل بشكل شبه يومي عمليات اغتيال من قبل مجهولين ونشاطات لخلايا داعـ.ـش إضافة إلى انتشار فوضى استخدام السلاح وعمليات الخطف، ففي محافظة درعا قُتل خلال الأسبوع الماضي وحده 3 أشخاص وأصيب 8 آخرين في حوادث متفرقة، وفي السويداء يعاني غالبية أهالي المحافظة من الدروز من القلق إزاء عملية التصفية الطائفية والعرقية التي يتعرض لها الكرد والعلويين والمسيحيين، وأظهر استطلاع للرأي أجرته صفحة “درعا24” الأسبوع الماضي أن نسبة 71% من المشاركين أكدوا على ضرورة تعزيز الأمن في محافظة درعا مقابل تفضيل نسبة 11% تحسين الخدمات والوضع الاقتصادي، ولمواجهة هذا الأمر أعلنت الفصائل الرئيسية في درعا تشكيل هيكل عسكري جديد والانضمام إلى وزارة الدفاع الجديدة التابعة لسلطة دمشق ولكن ككتلة واحدة تتولى مهمة حفظ الأمن والدفاع عن محافظة درعا بحسب مصادر متابعة. وفي محافظة القنيطرة تولت القوات الإسرائـ.ـيلية عملية ضبط الأمن فيها.
وفي السويداء تم تشكيل “غرفة عمليات معركة الحسم” للدفاع عن محافظة السويداء بالتنسيق مع الفصائل الأخرى، وأعلنت المرجعيات الدينية الدرزية والنخب الاجتماعية في المحافظة عدم تخليها عن السلاح حتى تتم بناء الدولة ويستتب الأمن، ويبدو أن عجز سلطة دمشق عن بناء الثقة واستمرار حوادث الفلتان الأمني دفع بأهالي المحافظة إلى تمسك أكثر بسلاحهم، ويوم السبت تم الاعلان عن تشكل “المجلس العسكري للسويداء” الذي دعا يوم الاثنين إلى عقد اجتماع لجميع العسكريين من ضباط، وصف ضباط، وأفراد ، وحملة السلاح من أبناء المجتمع المحلي ممن يعملون على مبدأ حماة الأرض والعرض بحسب وصف المجلس، يوم الإثنين 24/2/2025 في مدينة صلخد جنوب السويداء. ووفقاً لمصادر الهدف من هذا الاجتماع هو لتنظيم العمل العسكري عبر اختصاصيين وحفظ الأمن والأمان في السويداء وحفظ الممتلكات العامة بالتعاون مع الفصائل المحلية والجهات الأمنية المتواجده في المحافظة، وأعلنت مجموعة عسكرية في بلدة الغارية بريف السويداء الجنوبي عن انضمامها للمجلس في بيان مصور، وأوضحت مصادر أن “طارق الشوفي” الضابط المنشق يقود المجلس ويعمل مع تجمعات سياسية تطالب بنظام حكم لا مركزي في سوريا. وفي السياق صرح الشيخ سليمان عبد الباقي قائد تجمع أحرار جبل العرب في السويداء في لقاء اعلامي الأحد: “نرفض أي تدخل بالشأن الداخلي للسوريين من قبل جهة خارجية” مؤكداً على الرغبة في “العيش بسلام ورفض الفتن والقتل والإرهاب”. يُذكر أنه بعد سقوط النظام منعت الفصائل المحلية في السويداء رتلاً عسكرياً تابعاً لإدارة العمليات العسكرية من دخول المحافظة في 1 كانون الثاني.
وفي السياق، ذكرت مصادر محلية عن توجه ممثلين عن الفصائل المسلحة في السويداء إلى دمشق يوم الأحد للاجتماع مع وزير الدفاع “مرهف أبو قصرة” لمناقشة تأسيس فرقة عسكرية في محافظة السويداء، يكون قوامها من أبناء المحافظة والمنطقة الجنوبية في سوريا.
يؤكد خبراء في الشأن العسكري على أن توجه الفصائل المحلية التي تحظى بثقة المجتمع الأهلي في الجنوب السوري، نحو تشكيل مجالس عسكرية لتأمين الحماية والأمن لمناطقها يعد “تحصيل حاصل” طالما لا تزال سلطة دمشق عاجزة عن ضبط الأمن في معظم المناطق مع استمرار ازدياد نفوذ الجماعات المتطرفة في الكثير من المناطق ومشاهد الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها المواطنون السوريون من كافة المكونات، إلى جانب محاولة السلطة الجديدة في دمشق بناء هرم سلطوي خاص بها، كل هذه الأمور بحسب المراقبين تعد عوامل في أزمة الثقة التي تشهدها مختلف القوى السورية الفاعلة، في الوقت الذي فسر فيه بعض المحللين تعهدات رئيس الحكومة الإسـ.ـرائيلية بحماية الدروز في السويداء ورفض تواجد قوات سلطة دمشق في الجنوب السوري إلى وجود مخطط ما يستهدف المحافظات الجنوبية والتي تتزامن مع محاولات تركيا ملء الفراغ الإيراني بخطاباتها الأيديولوجية، في الوقت الذي انهكت فيه الأزمة المجتمعات المحلية الراغبة بتحقيق السلام الداخلي، لذلك تعد استراتيجية الدفاع الذاتي أبرز الخيارات المتاحة لأهالي المنطقة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.