يطلق أبناء طائفة الموحدين الدروز على أنفسهم اسم “الموحدون”، إشارةً إلى عقيدتهم التي تركز على توحيد الله، كما يُعرفون أيضاً بلقب “بني معروف”. وتعود تسمية “دروز” إلى نشتكين الدرزي (محمد بن إسماعيل)، الذي أسهم في نشر الدعوة الدرزية في مناطق لبنان وسوريا.
ينتشر الموحدون الدروز في عدد من دول الشرق الأوسط، أبرزها لبنان وسوريا وإسرائيل والأردن، إلى جانب تواجدهم في مناطق أخرى حول العالم. ويعود وجودهم في سوريا إلى قرون مضت، حيث لعبوا أدواراً محورية في مراحل مفصلية من تاريخ بلاد الشام. فقد شاركوا في معركة حطين عام 1187، وساندوا الأيوبيين والزنكيين، وانخرطوا لاحقاً في صفوف المماليك خلال معركة عين جالوت ضد المغول.
عانى الدروز من علاقات متوترة مع الدولة العثمانية، وتعرض زعماؤهم للقمع والإعدام عام 1911 بعد محاولات لفرض السيطرة على مناطقهم. وفي عام 1925، تصدّروا المشهد المقاوم ضد الاستعمار الفرنسي، حيث أطلق سلطان باشا الأطرش شرارة الثورة السورية الكبرى، رافضاً مشاريع التقسيم، ومنها إقامة دولة درزية مستقلة.
اليوم، يُقدّر عدد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف نسمة، ينتشرون في محافظات السويداء والقنيطرة وريف دمشق، بالإضافة إلى بعض القرى في إدلب. وتُعد المرجعيات الروحية الثلاث، وهم مشايخ العقل: حكمت الهجري، حمود الحناوي، ويوسف جربوع، من أبرز القيادات الدينية لدى الطائفة، إلى جانب شخصيات مؤثرة كالقائد المحلي الشيخ سليمان عبد الباقي.
اتخذ الدروز موقفاً حذراً من النزاع السوري، حيث فضّلت الغالبية العظمى تحييد نفسها عن الاصطفافات السياسية والعسكرية، مع التمسك بالدفاع المحلي. ففي عام 2015، ومع تصاعد تهديد الجماعات الإسلامية في الجنوب، شكلت الطائفة لجاناً محلية لحماية السويداء ومحيطها، وبرزت آنذاك شخصية الشيخ وحيد البلعوس، الذي أعلن موقفاً معارضاً للنظام قبل وفاته في حادث غامض.
عام 2014، شهدت السويداء توتراً مع السلطات السورية على خلفية رفض شبان الطائفة للتجنيد الإجباري، ما أدى إلى احتجاجات حاصرت مقرات أمنية وأفضت إلى تسوية تضمن خدمة أبناء الطائفة ضمن حدود محافظتهم. وتعرضت المنطقة لاحقاً لهجمات دموية، كان أبرزها هجوم تنظيم داعش في صيف 2018، والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص.
في محافظة إدلب، تعرض الدروز لانتهاكات جسيمة منذ سيطرة جبهة النصرة (لاحقاً هيئة تحرير الشام) على المنطقة، لاسيما في حادثة قرية قلب لوزة عام 2015، التي أسفرت عن مقتل نحو 20 درزياً. ووثقت منظمات حقوقية عدة، منها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، عمليات خطف واضطهاد ديني واستيلاء على ممتلكات في مناطقهم خلال العقد الأخير.
وفي عام 2023، ومع تراجع حدة الصراع المسلح، شهدت السويداء احتجاجات مدنية واسعة ضد السلطة، تركزت في ساحة الكرامة قرب ضريح سلطان باشا الأطرش، مطالبة بالإصلاح والتغيير السلمي.
لكن التوترات لم تنتهِ، حيث تصاعدت الاشتباكات في مناطق درزية كجرمانا، وتطورت العلاقة بين أبناء الطائفة والسلطة في سوريا إلى منعطف حرج، خاصة في ظل صعود قوى جديدة على الأرض مثل هيئة تحرير الشام، التي تعود بجذورها إلى الجهة التي هاجمت مناطق درزية سابقاً.
وفي هذا السياق، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من “تهديد مستمر” للدروز جنوب سوريا، في إشارة إلى انتشار السلاح وغياب الاستقرار الأمني، مع وجود نحو 150 ألف درزي في إسرائيل يتابعون بقلق مصير أبناء طائفتهم في سوريا.
يتأرجح موقف الدروز في سوريا بين الحفاظ على الخصوصية الطائفية ومواجهة التحديات الأمنية، وبين الدعوة إلى دولة مدنية تحترم التعددية، في ظل غياب واضح لحل سياسي شامل يعيد الاستقرار إلى البلاد.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.