NORTH PULSE NETWORK NPN

رأس العين تحت السيطرة التـ.ـركية.. انتهاكات ممنهـ.ـجة، نزوح قسـ.ـري، ومخططات تغيـ.ـير ديمـ.ـوغرافي تهدد مستقبل شمال سوريا

منذ سيطرة جيش الاحتلال التركي والفصائل السورية الموالية له على مدينة رأس العين/سري كانيه في أكتوبر 2019، عقب عملية ما تسمى “نبع السلام”، دخلت المدينة في دوامة من الفوضى الأمنية والانتهاكات المتكررة التي طالت كل مناحي الحياة، وسط تغييب ممنهج للسلطة القانونية، وتهميش كامل للسكان الأصليين.

وفقا لتقارير موثقة من المرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية محلية ودولية، تمارس الفصائل المسلحة الموالية لأنقرة وعلى رأسها ما تسمى “فرقة السلطان مراد” سياسات قمعية تهدف إلى فرض أمر واقع جديد في المدينة. وقد نصبت هذه الفصائل عشرات الحواجز العسكرية في القرى والبلدات المحيطة، أبرزها العالية، العامرية، خربة بنات، ومبروكة، حيث يتم ابتزاز السكان ماليا مقابل السماح لهم بالمرور، فضلا عن عمليات تفتيش تعسفي ومصادرة ممتلكات دون أي مبررات قانونية.

سياسة تضييق ممنهجة

هذه الانتهاكات لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تمثل جزءًا من استراتيجية أوسع تتبعها أنقرة لتفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، وخلق بيئة طاردة للمدنيين الكرد والعرب الذين يشكّلون النسيج المجتمعي التاريخي للمدينة. وقد أُجبر آلاف المدنيين على ترك منازلهم تحت وطأة العنف والانعدام التام للأمان، بينما تم توطين عائلات من مناطق أخرى موالية لأنقرة في مساكنهم، في عملية توصف على نطاق واسع بأنها تغيير ديموغرافي ممنهج يخالف القانون الدولي الإنساني.

تدهور كامل للخدمات

في ظل هذا الواقع المتأزم، تشهد سري كانيه انهيارا تاما للبنى التحتية والخدمات العامة. لا مياه، ولا كهرباء، ولا منظومة صحية فاعلة، فيما تغيب المدارس والمؤسسات التعليمية أو تُدار بشكل حزبي يفتقر للمعايير. وقد أضحت المؤسسات المدنية، التي أُنشئت بإشراف مباشر من سلطات الاحتلال، بيئة خصبة للفساد والمحسوبيات، ما زاد من معاناة السكان الذين باتوا أسرى واقع مأساوي لا يملكون أدوات تغييره.

أوجه الشبه مع عفرين

السيناريو الجاري في سري كانيه يُعيد للأذهان ما شهدته مدينة عفرين بعد اجتياحها في 2018 ضمن عملية ما تسمى “غصن الزيتون”، حيث سُجّلت أنماط مشابهة من الانتهاكات: عمليات سلب ونهب، تهجير قسري، فرض اللغة والمناهج التركية، وتوطين عائلات وافدة من مناطق أخرى ضمن تركيبة سكانية مصطنعة. ويُنظر إلى هذه السياسات بوصفها أدوات جيوسياسية تستخدمها أنقرة لفرض نفوذ طويل الأمد في الشمال السوري، تحت غطاء “مناطق آمنة”، في حين أن الواقع يُظهر أنها مناطق تخضع لحكم عسكري غير خاضع لأي رقابة قانونية أو محاسبة دولية.

حتى اللحظة، لم تُفتح أي تحقيقات مستقلة أو دولية جادة بخصوص ما يحدث في سري كانيه، رغم توثيق مئات الحالات لانتهاكات جسيمة قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما لم يتم اتخاذ أي إجراءات من قبل المجتمع الدولي للضغط على تركيا والفصائل الموالية لها لوقف ممارساتها أو محاسبة المتورطين.

تتجاوز خطورة ما يحدث في سري كانيه الحدود المحلية، لتصل إلى تهديد فعلي للتركيبة السكانية والسياسية لشمال سوريا بأكمله. فالتغيير القسري للهوية الثقافية والديموغرافية لتلك المناطق يفتح الباب أمام صراعات طويلة الأمد، ويقوّض أي فرص لتحقيق استقرار حقيقي أو مصالحة مستقبلية في البلاد.

سري كانيه اليوم ليست فقط مدينة تحت الاحتلال، بل هي نموذج صارخ لمشروع جيوسياسي توسعي يتجاوز حدود العمليات العسكرية المؤقتة، ويستهدف إعادة تشكيل البنية المجتمعية والسياسية في سوريا بقوة السلاح. ومع استمرار صمت المجتمع الدولي، تتعمّق مأساة المدنيين هناك، ويبدو أن الطريق نحو العدالة ما زال طويلا وشائكا.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.