تعد القضية الكردية في سوريا من أبرز القضايا في المستوى الوطني التي تعقدت مع سيطرة النظام البعثي على السلطة في دمشق في بداية الستينات والذي حكم سوريا بشكل استبدادي حتى نهاية العام 2024 مخلفاً وراءه الكثير من الأزمات. وكان للقضية الكردية النصيب الأكبر من السياسة الأمنية القمعية للنظام، والتي تنوعت بين مصادرة الأراضي الزراعية للملاكين الكرد وممارسة سياسة التعريب وطمس الثقافة الكردية، وإجراء عملية تغيير ديمغرافي، ومنع أية مشاريع اقتصادية في شمال وشرق سوريا لإجبار الشبان الكرد على الهجرة باتجاه دمشق وحلب وحمص والساحل للبحث عن فرص عمل لإعالة أسرهم. ومع تحول الكرد إلى قوة سياسية وعسكرية واقتصادية رئيسية في سوريا وتمكنهم من بناء مؤسساتهم المختلفة، أصبح بإمكانهم رد الاعتبار إلى قضيتهم التي نالت الاهتمام الدولي، وعقدوا شراكات استراتيجية مع القوى الدولية الرئيسية. وبقي حل القضية بشكل رسمي في العاصمة دمشق وطي صفحة الظلم والحرمان من الحقوق. وفي هذا السياق شكلت الحركة السياسية الكردية في سوريا وفد موّحد مكون من 6 أعضاء لمناقشة حل القضية الكردية مع سلطة دمشق اعتباراً من الأسبوع الذي يلي عطلة العيد، وذلك استناداً إلى الثوابت الوطنية، ومخرجات كونفرانس “وحدة الصف والموقف الكردي في روج آفايي كردستان”، الذي عُقد في 26 نيسان 2025 بمدينة قامشلو.
وفي معرض ترحيبه بتشكيل الوفد الكردي أكد الجنرال مظلوم عبدي(القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية) يوم الخميس الفائت، أن تشكيل الوفد الكردي الموحد يأتي في إطار «تنفيذ اتفاق 10 آذار الذي أكد على تثبيت حقوق الشعب الكردي دستورياً في سوريا موحّدة». وأعتبر الاعتراف بحقوق المكونات هو «الأساس لبناء سوريا ديمقراطية وعادلة يشارك فيها الجميع». وأشار إلى أن «الوفدان، الوفد الممثل لشمال وشرق سوريا والوفد الكردي الموحد، مسار متكامل، يجسدان التزامنا بالحوار الوطني كخيار استراتيجي نحو مستقبل يحقق العدالة والمساواة». ووفقاً لبيان صادر عن الوفد الكردي الموّحد سيعمل الوفد على «إجراء حوارات مع حكومة دمشق والأطراف الدولية والكردستانية لتعزيز الحلول السياسية التي تخدم مصالح الشعب الكردي في سوريا».
وبحسب مصادر مطلعة من المتوقع أن يرتكز الوفد الكردي في مباحثاته بدمشق على ثلاثة ثوابت وهي: إقامة نظام لامركزي، والاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي في سوريا، وإقرار التعليم باللغة الأم. بالإضافة إلى مجموعة من القضايا الأخرى. وعلى الرغم من ترحيب الشارع الكردي بهذه التطورات لا تزال حالة عدم اليقين تسيطر على السياسيين الكرد تجاه جدية سلطة دمشق في الحوار مع الكرد، خاصة أن وسائل الاعلام التابعة لها والموقف الرسمي العام في دمشق لم يبدي حتى الآن أي اهتمام لحل القضية الكردية، في الوقت الذي تبذل سلطة دمشق جهوداً كبيرة للتصالح مع إسرائيل وضمان المصالح التركية في سوريا واحتواء المقاتلين الأجانب والفصائل التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق المواطنين السوريين، ومحاولة الوصول إلى تفاهمات مع روسيا، في الوقت الذي يتم فيه تهميش العلاقات مع شمال وشرق سوريا.
وفي هذا السياق، أكدت فوزة يوسف (الرئيسة المشتركة لوفد ممثلي شمال وشرق سوريا) في لقاء مع قناة “روناهي”، أن سلطة دمشق ترى مسألة الأندماج كمحاولة لإلغاء قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، والسعي لإعادة الحكم المركزي. وعلى صعيد متصل قال آلدار خليل (عضو الهيئة الرئاسية في حزب الاتحاد الديمقراطي) إن حل الأزمة السورية «يستوجب الانتقال إلى نظام لا مركزي»، مشيراً إلى أن «تعقيدات الملف السوري وخاصة القضية الكردية لا يمكن تجاوزها ضمن النظام المركزي الحالي»، مؤكداً على أن اللامركزية لا تعني «انفصال الكرد أو تشكيل إدارة خاصة بهم فقط، بل تعني شراكة حقيقية لجميع المكونات السورية في إدارة شؤون مناطقهم».
يؤكد سياسيون كُرد على أن نجاح مهمة الوفد الكردي في دمشق يستند إلى عدة عوامل أبرزها: مدى جدية سلطة دمشق في الحوار، مدى قوة الأوراق التفاوضية للوفد الكردي، وامتناع تركيا عن التدخل في الحوار. ويتوقع المراقبون عدم إبداء سلطة دمشق مرونة كبيرة في الحوار، ما سيدفع الكرد إلى تصعيد نشاطهم الدبلوماسي في المستويات المحلية والإقليمية والدولية للضغط على سلطة دمشق لقبول المطالب الكردية…
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.