تعد المواقف التركية والسعودية والإسرائيلية والأردنية والإيرانية والروسية تجاه سلطة دمشق ومساعي عقد تفاهمات معها لضمان مصالحها، وفي الوقت نفسه تسويق دمشق لنفسها وكأنها متاحة للجميع مقابل السكوت عن سياستها الإقصائية الداخلية، ومحاولاتها إرضاء جميع الدول الإقليمية، مؤشر موثوق على تحول سوريا إلى ساحة مفتوحة للصراع الإقليمي ومحاولات التنافس للهيمنة على أكبر حصة منها، ففي الوقت الذي كانت فيها تركيا تدعم سلطة دمشق لقمع انتفاضة الدروز في منتصف شهر تموز الفائت كانت إسرائيل منهمكة في الدفاع عن استراتيجيتها المتمثلة بتحويل كامل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح، بينما سارع وزير الاستثمار السعودي بزيارة خاطفة إلى دمشق وتوقيع عقود استثمارية بملايين الدولارات، في حين كانت الجماعات السورية المسلحة الموالية لإيران منهمكة في توحيد صفوفها تحت راية التنظيم “المقاومة الإسلامية في سوريا- أولي البأس”، في الوقت الذي يعمل فيه تنظيم داعش على إعادة تنظيم صفوفه وحشد أنصاره في أرياف الداخل السوري حيث يشير مقتل ما يسمى والي “ولاية الخير والبركة” في تنظيم داعش بعملية للتحالف الدولي وقسد في مدينة الباب بريف حلب الشمالي إلى هذه الحقيقة، أما روسيا فقد كانت قنواتها الاستخباراتية والدبلوماسية منهمكة في تنظيم زيارة لوزير خارجية سلطة دمشق إلى موسكو وهو ماتم يوم الخميس الفائت، بالتزامن مع تلك الأحداث كانت استخبارات سلطة دمشق وحلفائها منهمكون في تحريض بعض العشائرين في ديرالزور والرقة ضد الإدارة الذاتية وقسد. ويرى مراقبون إن هذا المشهد يلخص حقيقة الانقسام والتقاسم داخل الدولة السورية الجديدة، ومدى الأزمة السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد على الرغم من مرور أكثر من 6 أشهر على سقوط النظام البعثي.
وعلى صعيد متصل، أكد الباحث “ابراهيم العسيل” على إن ماجرى في السويداء «ليس مجرد مؤشر على تفكك سوريا الداخلي، بل هو أيضًا انعكاس لتحولات في الاستراتيجيات الإقليمية». وقال “العسيل” لموقع “المجلس الأطلسي” للأبحاث إن الجهات الفاعلة الإقليمية «لم تكتفِ بالاستجابة لأحداث السويداء، بل ساهمت في تشكيلها». مشيراً إلى أن توسع دور إسرائيل في الجنوب، والتوافق الاستراتيجي لتركيا مع دمشق، والدعم السعودي والأردني للسيطرة المركزية، تعكس «حسابات جيوسياسية متطورة». وأوضح الباحث الأمريكي إن «السعودية لا تزال متشككة في النفوذ التركي على دمشق، وهو قلق دفع الرياض إلى زيادة دعمها للشرع سعيًا لإبقائه راسخاً في الحضن العربي». مشيراً إلى أن «الرياض تدرك بلا شك أن تكثيف الهجمات الإسرائيلية على دمشق قد يدفع الحكومة السورية إلى التقارب مع أنقرة، مما قد يؤدي إلى تنامي الوجود العسكري التركي في جميع أنحاء سوريا كقوة موازنة للضغط الإسرائيلي – وهي نتيجة تسعى الرياض جاهدةً لتجنبها». وأكد “العسيل” لموقع الأبحاث الأمريكي على إن أزمة السويداء كشفت محدودية قدرة سلطة دمشق بقيادة الشرع وبيّنت تحالفاتها الإقليمية. معتبراً إن السيطرة على السويداء، في الوقت الراهن، «لا يزال احتمالاً بعيداً». وبحسب الموقع الأمريكي «يفتقر النظام الجديد في دمشق إلى الشرعية والقدرة العسكرية لإعادة فرض سيطرته في الجنوب دون إثارة مقاومة أوسع». وبدلاً من ذلك، يعتمد الشرع دبلوماسياً على داعميه الإقليميين.
وشهد الأسبوع الفائت تحركات ومواقف لبعض الدول الإقليمية بغرض فرض واقع جديد في التعامل مع سلطة دمشق وضمان مصالح هذه الدول، أظهرت مدى حدة التنافس بينها لضمان مصالحها في سوريا ولو على حساب مصلحة الشعب السوري وأمنه القومي. وفي هذا السياق أشاد مجلس الوزراء السعودي، بنتائج زيارة الوفد السعودي إلى سوريا، منوهاً إلى ما شهدته الزيارة من توقيع 47 اتفاقية استثمارية بقيمة تقارب 24 مليار ريال (نحو 6.4 مليار دولار) في عدد من المجالات، إضافة إلى الإعلان عن تأسيس مجلس أعمال مشترك لدفع عجلة التعاون المتبادل، وتفعيل الشراكات بين مؤسسات القطاع الخاص في البلدين. تركياً، زعمت مصادر مقربة من السلطات التركية لموقع “الشرق” الأخباري إن دمشق وأنقرة يستعدان للإعلان عن اتفاقيات أمنية وعسكرية أواخر شهر آب المقبل، ونقلت عن المصادر أن اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين وإنشاء قواعد عسكرية في محافظة حلب قيد الإعداد حالياً، ويُنتظر أن يتم توقيعها خلال الأسابيع القليلة المقبلة. على الصعيد الروسي، قال سيرغي لافروف (وزير الخارجية الروسي) خلال استقباله وزير خارجية سلطة دمشق أسعد الشيباني، في موسكو يوم الخميس، عن تطلع بلاده إلى مشاركة الرئيس رئيس السلطة “أحمد الشرع”، بالقمة الروسية- العربية في موسكو، المقرر عقدها في شهر تشرين الأول المقبل. وأشار إلى أن دمشق «تتخذ خطوات مهمة لتأمين الدبلوماسيين الروس» وأضاف «نحن نثمن ذلك، ونتطلع لتكثيف الحوار مع دمشق، واتفقنا على التعاون لتجاوز التحديات»، وأعرب لافروف عن دعمه تنمية العلاقات الثنائية بين دمشق وموسكو على أساس الاحترام والمصلحة المتبادلة. مشيراً إلى أن حوالي 4000 طالب سوري يدرسون في الجامعات الروسية. من جانبه زعم “الشيباني” إن العلاقات السورية الروسية «تمر بمنعطف حاسم وتاريخي، والتعاون مع روسيا يقوم على أساس الاحترام»، وأضاف «شكّلنا لجنة لإعادة النظر بالاتفاقات السابقة مع روسيا بما يضمن مصلحة الطرفين».
وأكدت “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية” الأمريكية على إن أجندة أنقرة تتعارض مع إعادة بناء دولة سورية ذات سيادة. وأوضح إن «تركيا تُعامل سوريا كما تُعامل شمال قبرص: كدولة دمية. كما تفرض مطالب متطرفة، مثل نزع سلاح الأكراد دون منحهم أي حصة من السلطة». وقالت في تحليل نشرته الأربعاء إن «مصالح تركيا تتعارض بشدة مع مصالح سوريا. هيمنة أنقرة تطغى على دمشق، وحتى لو رغب الشرع في التحرر من رعاته الأتراك، فإنه يفتقر إلى القدرة على ذلك». وشددت على إن «استبدال النفوذ الإسلامي الإيراني بنفوذ تركيا وقطر لن يحل الأزمة السورية». وطالبت الولايات المتحدة ببذل جهود «لتهميش هذه الحكومات الثلاث ذات الميول الإسلامية – تركيا وقطر وإيران – لصالح دول عربية معتدلة مثل السعودية والإمارات، إلى جانب إسرائيل، جارة سوريا». وأضافت «بدون هذا التدخل، لن يمر وقت طويل قبل أن يواجه العالم حركة جهادية سنية متطرفة متجددة تتفشى في جميع أنحاء سوريا، مما يُجبرنا على العودة إلى نقطة البداية».
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.