NORTH PULSE NETWORK NPN

العشائر العربية.. شراكة الد.م في مواجـ.ـهة د1عـ.ـش وصناعة ما بعد الحـ.ـرب

 

شكّلت العشائر العربية عبر تاريخ شمال وشرق سوريا إحدى الدعائم الأساسية للبنية الاجتماعية، مستندة إلى منظومة متجذّرة من القيم، أبرزها التضامن، وإغاثة الملهوف، وحماية السلم الأهلي. ومع اندلاع الأزمة السورية وتفاقم التحديات الأمنية، برز حضور هذه العشائر بوصفه عاملاً مؤثراً في حماية المجتمع والدفاع عن تماسكه في وجه أخطر المراحل التي مرّت بها المنطقة.

 

ومع تمدّد تنظيم داعش واستغلاله لحالة الفوضى، لم تقتصر المواجهة على البعد العسكري فحسب، بل اتخذت طابعاً مجتمعياً واسعاً. إذ سرعان ما أدركت العشائر العربية أن الفكر الذي يحمله التنظيم يتعارض جذرياً مع أعرافها وتقاليدها، ويهدد أمنها ووجودها. وانطلاقاً من هذا الوعي، شارك أبناء العشائر بفاعلية في التصدي للتنظيم، سواء عبر الالتحاق بقوات سوريا الديمقراطية أو من خلال تقديم الدعم الأمني والمجتمعي لمواجهة التطرف ومنع انتشاره.

 

هذا الموقف لم يكن استجابة ظرفية، بل خياراً نابعاً من شعور عميق بالمسؤولية تجاه الأرض والمجتمع. فالعشائر، التي لطالما لعبت دوراً محورياً في حفظ التوازن الاجتماعي وحل النزاعات، وجدت نفسها أمام منعطف تاريخي، فاختارت الانحياز إلى مشروع يواجه الإرهاب ويحمي كرامة الإنسان، في مقابل نهج العنف والهيمنة الذي سعى داعش إلى فرضه.

 

ومع انحسار التنظيم عسكرياً، انتقلت العشائر العربية إلى مرحلة جديدة عنوانها تثبيت الاستقرار وتعزيز الأمن المحلي. وأسهمت بشكل ملموس في منع عودة الخلايا النائمة، ودعم جهود المصالحة المجتمعية، وإعادة ترميم الثقة بين مختلف المكونات، مستفيدة من مكانتها الاجتماعية وقدرتها على التأثير في محيطها. كما اضطلع شيوخ ووجهاء العشائر بدور بارز في احتواء التوترات ومعالجة الخلافات، بما ساعد على ترسيخ السلم الأهلي.

 

بالتوازي مع ذلك، برزت مشاركة العشائر العربية في مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا كخطوة عملية نحو تكريس مبدأ الشراكة. ولم يقتصر هذا الحضور على التمثيل الرمزي، بل شمل المجالس المدنية والهيئات الخدمية والإدارية، ما أتاح لأبناء العشائر الإسهام المباشر في إدارة شؤون مناطقهم والمشاركة في صنع القرار. وشكّل هذا التحول نقلة نوعية في العلاقة بين العشيرة والسلطة، من موقع التهميش أو التوتر إلى فضاء التعاون والمسؤولية المشتركة.

 

ويرى مراقبون أن نجاح هذا النموذج يعود إلى احترام الخصوصيات الاجتماعية، واتباع نهج تشاركي يقوم على عدم الإقصاء، والاعتراف بدور جميع المكونات. كما أثبتت التجربة أن العشائر ليست بنية جامدة أو تقليدية منغلقة، بل كيان اجتماعي قادر على التفاعل مع المشاريع السياسية الحديثة، متى توفّرت بيئة قائمة على الشراكة والعدالة.

 

وفي ظل محاولات التشويه أو الزجّ بالعشائر في صراعات ضيقة، تؤكد تجربة شمال وشرق سوريا أن العشائر العربية كانت وما زالت عنصر توازن واستقرار، وجسراً للتلاقي بين المكونات، لا أداة للانقسام. فإرثها القيمي والاجتماعي يشكّل رصيداً مهماً يمكن البناء عليه لمواجهة التطرف وتعزيز السلم الأهلي.

 

ومع استمرار التحديات السياسية والأمنية، يبقى الدور الإيجابي للعشائر العربية ركيزة أساسية في حماية المنطقة والمساهمة في رسم ملامح مستقبلها، ضمن مشروع وطني ديمقراطي يقوم على الشراكة، ويضمن حقوق جميع السوريين، ويؤكد أن بناء سوريا لا يكون بالقوة والغلبة، بل بالتكافل والعدالة وتضافر جهود أبنائها.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.