NORTH PULSE NETWORK NPN

هل تسير واشنطن في طريق التطبيع مع دمشق بشكل موارب؟

نورث بالس

صدر قبل يومين بيان عن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي مع نظيريه الإماراتي عبد الله بن زايد والإسرائيلي مائير لابيد، أوضح فيه موقف الولايات المتحدة إزاء الملف السوري، كشف فيه بكل جلاء موقف إدارة الرئيس جو بايدن.

وبحسب نص البيان الذي وزعته الخارجية الأمريكية، أن أولويات واشنطن، هي: “أولاً، توسيع دائرة وصول المساعدات الإنسانية، وأحرزنا بالفعل بعض النجاح، بتجديد الممر المحوري في شمال غربي سوريا. ثانياً، استمرار الحملة مع التحالف ضد داعش والقاعدة في سوريا. ثالثاً، التزامنا المستمر في المطالبة بإخضاع نظام الأسد للمساءلة والحفاظ على المعايير الدولية الأساسية، مثل تعزيز حقوق الإنسان وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل من خلال فرض عقوبات مستهدفة. رابعاً، الحفاظ على اتفاقات وقف النار» في سوريا. وأضاف أن المهمة الإضافية المُلحقة، هي «المضيِّ قدماً نحو إقرار تسوية سياسية أوسع للصراع السوري تتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254».

يتراءى للمراقب للموقف الأمريكي أن ثمة بونٌ واسع بين المبادئ التي طرحها الوزير بلينكن كمحددات للإستراتيجية الأمريكية في سوريا، والوقائع على الأرض. فالمساعدات الإنسانية التي جرى تمديدها في شهر يوليو/ تموز الماضي، لا تزال مرهونة بالاستجابة الروسية وعدم استخدامها الفيتو في مجلس الأمن، رغم تركيز الاجتماع الأخير بين مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط بريت ماكغورك ومبعوث الرئيس الفرنسي إلى سوريا الإكسندر فرينشتين على ضرورة مواصلة إدخال المساعدات الإنسانية “عبر الحدود” وقد ربط الروس موافقتهم على تمديد القرار بضرورة إخضاع إدخالها للموافقة الحكومية السورية، وكذلك تقديم الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” تقريره حول “تعافي البنية التحتية السورية” وغرسال المساعدات “عبر الخطوط” بحيث يكون تركيزها من دمشق، وليس من الدول المجاورة.

قد يصح القول بأن الثبات لا يزال قائماً على خطوط التماس منذ 18 شهراً، لكن الغارات والاشتباكات والتحرشات مستمرة، سواء الروسية في شمال سوريا أو الإسرائيلية في عموم البلاد. واللافت، أن كلام بلينكن صدر فيما كان لابيد قد زار موسكو قبل أسابيع، تمهيداً لزيارة رئيس وزراء إسرائيل والتأكد أن الرئيس بوتين لن يقف عائقاً أمام جولات الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية وأن يمنح إسرائيل “يداً حرة في ملاحقة إيران في سوريا دون الاصطدام مع الجيش الروسي”.

ثمة تناقضات أخرى تلف حديث بلينكن. ففي الوقت الذي لا تزال “الدرونات” التركية تقصف بشكل شبه يومي مناطق في شمال وشرق سوريا، إلى جانب استمرار التهديدات التركية لشن عملية جديدة على تلك المناطق، يبدو أن كلام بلينكن ينطوي على إشارات لا توحي إلى فرض التهدئة على خطوط التماس. صحيح أن أمريكا قدمت نوعاً من التطمينات إلى حلفائها في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية بعدم الانسحاب من مناطق شمال وشرق سوريا على غرار أفغانستان، لكمن تبقى تجربة الغزو التركي على منطقتي “رأس العين وتل أبيض” عام 2019 وعدم امتثال تركيا لبنود قرار وقف إطلاق النار والتصعيد الحاصل حالياً، ماثلاً أمام مسؤولي الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.

الكلام الأمريكي عن «الدفع لتسوية سياسية شاملة» في سوريا، لم يتجاوز إطار التصريحات، ذلك أن بلينكن لم يلتق منذ تسلمه منصبه المبعوث الأممي غير بيدرسن سواء في روما أو نيويورك أو واشنطن، وكأنه أراد القول إن هذا الملف ليس له أهمية. لذلك، لم يكن مفاجئاً ألا يتطرق الوزير الأمريكي في بيانه إلى الاجتماع المقبل للجنة الدستورية في جنيف بعد غد، حيث ستعقد لأول مرة اجتماعات دورية بين رئيسي وفدي الحكومة والمعارضة بحضور المبعوث الأممي للبدء بـ«صوغ» مبادئ دستورية.

المفارقة الأهم في كلام بلينكن كان من التطبيع العربي مع دمشق، حيث قال: «ما لم نفعله ولا ننوي فعله، التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل الأسد، أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا أو تغيير موقفنا المعارض لإعادة الإعمار في سوريا حتى يجري إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو الحل السياسي الذي نعتقد أنه ضروري وحيوي». وهذه مبادئ تتفق عليها واشنطن مع بروكسل ولندن وباريس وبرلين، ومعروفة بـ«اللاءات الثلاث»، أي: «لا إعمار، لا تطبيع، لا رفع للعقوبات قبل تحقيق تقدم بالعملية السياسية».

لم تعترض أمريكا على تطبيع الإمارات العربية علاقاتها مع الحكومة السورية، هذا فضلاً أن الموقف الأمريكي الباهت من التطبيع مع دمشق صدر بعد زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله لواشنطن ولقائه الرئيس بايدن، وكذلك مكالمته الهاتفية مع الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما يعد انفتاحاً مبطناً وغير مباشر على دمشق، وإن بطرق مواربة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.