NORTH PULSE NETWORK NPN

المنطقة العربية في قلب الانتخابات التركية.. ماذا لو فاز مرشح المعارضة؟

الانتخابات التركية، حدث يقول بعضهم إن تركيا بعده لن تكون في كل الأحوال مثل ما كانت قبله، أوراق كثيرة في اللعبة الإقليمية والدولية ستتغير، وطاولات تستعد لتُقلب، وملفات ربما تنتظر لحظة إعلان النتائج لتفتح وينتظر كثيرون فتحها.

ويكاد يجمع الخبراء على أن الانتخابات التي من المقرر إجراؤها يوم الأحد المقبل 14 مايو/ أيار، ستشهد منافسة كبيرة بين المرشحين الأوفر حظا، وهما الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، في حين تظهر استطلاعات الرأي تقاربا شديدا بين الاثنين بما يصعب معه التكهن بنتيجة تلك الانتخابات.

الحدث إذن مهم للدرجة التي جعلت وسائل إعلام عالمية تقول إنها “الانتخابات الأكثر أهمية في العالم في عام 2023 ستكون في تركيا”، فيما عدَّ مركز الأبحاث البريطاني “تشاتام هاوس” بإحصاء الانتخابات في تركيا من بين “أهم ثلاثة أحداث يتوقع ظهور نتائجها في العالم هذا العام”.

كما استخدمت مجلات غربية عدة، إنجليزية وفرنسية، الانتخابات التركية على غلافها.

فما الذي يجعل الانتخابات في تركيا بهذه الأهمية؟ ولماذا يشكل تغيير الرئيس في تركيا مصدر قلق للعالم وخاصة العالم العربي؟

لكن السؤال الأبرز الذي سنحاول الإجابة عنه في السطور التالية يتعلق بتأثير تلك الانتخابات ونتائجها في الحالتين، (فوز أردوغان أو فوز مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو)، على منطقتنا العربية، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع أنقرة في ملفات متعددة، ليس أهمها الاقتصاد والتجارة البينية مع مختلف الأقطار العربية، بل أيضا على المستوى السياسي الذي يشهد تشابكا في الملفات والمصالح بين أنقرة والعديد من العواصم العربية.

اللاجئون.. ملف الضعفاء

ذاك هو الملف الأصعب الذي يترقب كثيرون فتحه عقب انتهاء الانتخابات التركية، وهو ملف يحظى بمتابعة عربية عامة، وسورية على وجه الخصوص، خاصة من السوريين الموجودين في تركيا.

تقول بعض الإحصاءات إن أكثر من 5.5 مليون سوري موجودون في تركيا، ومكمن الخطورة في هذا الملف هو حالة الاهتمام التركي على مستوى المعارضة به، حيث حدد مرشحها كمال كليجدار أوغلو في أحد خطاباته الانتخابية، مدة عامين في حال نجاحه، لإعادة اللاجئين السوريين لبلادهم.

وقال نصا: “سنرسل إخواننا السوريين إلى بلادهم خلال عامين من دون أن نلطخ سمعة بلادنا بأي تصرفات عنصرية، وسنعيد الأفغان الذين دخلوا تركيا من الحدود مع إيران إلى البلد الذي جاؤوا منه، وفي رئاستنا للجمهورية لن تكون معابرنا وحدودنا مثل خان عابر السبيل”.

لم يكن القلق من خطاب المعارضة التركية موجودا لدى السوريين أو الأفغان أو أي من الجنسيات التي لجأت إلى تركيا، بل إن منظمات حقوقية، ودول أوروبية أعلنت تخوفاتها من عزم المعارضة التركية معالجة ملف اللاجئين بهذه الطريقة.

الدبلوماسي التركي السابق حسن غوغوش، صرح بأن “الاتحاد الأوروبي قلق من خطاب تحالف الأمة التركي المعارض حول إرسال اللاجئين السوريين إلى بلدهم في حال وصولهم إلى الحكم”.

ورقة العلاقات العربية هل تؤثر في الانتخابات التركية؟

قد يتصور البعض ضعفا في حضور ورقة العلاقات العربية مع أنقرة في الانتخابات التركية، لكن المتامل يدرك أن الدول العربية كانت حاضرة وبقوة في المشهد الانتخابي التركي.

صحيح أن السلوك التصويتي في أي انتخابات يعتمد بالأساس على الأوضاع الداخلية، فالوضع الاقتصادي والامني والاجتماعي والمعيشي، هو ما يحدد اتجاهات هذا السلوك التصويتي، لكن في الحالة التركية الوضع الداخلي مرتبط بشكل كبير بالأوضاع الإقليمية والدولية، ما يعني أن العلاقة مع العالم العربي تبدو مؤثرة وبعمق في الشأن الداخلي التركي الذي يحدد بالتالي السلوك التصويتي للناخب التركي.

وفي هذا الإطار يضرب الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، مثالا على قوة حضور العلاقات العربية وتأثيرها في الملف الانتخابي التركي وتأثرها به، بملف اللاجئين، خاصة السوريين، مؤكدا أن هؤلاء يمثلون ضغطا على اقتصاد تركيا الذي يعاني ارتباكا وفقا له، ويوجدون أيضا سلوكيات اجتماعية وأوضاعا أمنية، بسبب البطالة في تركيا والحساسيات بين الشعبين السوري والتركي هذه الأيام.

 

ويرى عبد الفتاح في تصريحات لبرنامج ستوديو العرب عبرفضائية المشهد، أنه فضلا عن ذلك فإن حزب العدالة والتنمية أشيع عنه أنه لجأ في بعض الأوقات لتجنيس عدد من السوريين من اجل التصويت لمصلحته، وهو ما أثار استياء من المعارضة التركية، وفقا له.

“سوريا” حالة خاصة.. كيف ستتأثر بالانتخابات التركية؟

وفق ورقة بحثية نشرها موقع ماي ايديو ببليكشنز، أعرب أردوغان خلال العام الماضي مرارًا وتكرارًا عن نيته إجراء عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا – في خامس عملية تركية من نوعها منذ عام 2016 – لتأمين الحدود السورية التركية.

وقد كان للصراع السوري تأثير كبير على الخطاب السياسي الداخلي التركي، حيث تركز معظم النقاش حول الصراع نفسه، ودور تركيا في شمال سوريا، وأزمة اللاجئين.

ومع ذلك، قبل بضعة أشهر، بدأ أردوغان في اقتراح أنه قد يتبنى نهجًا جديدًا تجاه سوريا ويلتقي بالرئيس السوري بشار الأسد بعد ما يقرب من عقد من القطيعة.

وركزت الورقة البحثية على المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية التركية، وهما أردوغان، وكيليجدار أوغلو.

وبالنظر إلى موقف المعارضة في حال فوزها قامت الورقة بفحص موقفها بداية من الانتخابات المحلية في تركيا لعام 2019، حيث أظهرت المعارضة فطنة سياسية من خلال تحدي حزب العدالة والتنمية الحاكم وهزيمته بنجاح، وتحقيق انتصارات مدوية في مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير.

 

ورأت أنه على الرغم من أن تحالف الأمة المعارض أصدر بيانه الانتخابي الشامل، الذي بلغ 242 صفحة، مقسمًا إلى ثلاثة أقسام أساسية: حكم القانون، والأزمة الاقتصادية، والسياسة الخارجية، إلا أن برنامج سياسته الخارجية يتعارض أحيانًا.

فمن ناحية، يؤكد البرنامج على الالتزام بالقانون الدولي والقيم العالمية، فضلاً عن هدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واعتماد معاييره وقيمه من ناحية أخرى، يدعو البرنامج إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، والدعوة إلى عودة اللاجئين، وتقييد منح الجنسية، وسحب الجنسية في حالات محددة. بالإضافة إلى ذلك، يحدد البرنامج ضوابط أكثر صرامة على الحدود لمنع اللاجئين الجدد من دخول تركيا.

وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين الأطراف الستة التي يتألف منها تحالف الأمة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية 5 والصراع السوري، يعكس البيان الانتخابي عددًا من المواقف المشتركة حول القضايا المتعلقة بسوريا، بما في ذلك “الحكومة السورية” واللاجئين السوريين ومكافحة الإرهاب، وجهود إعادة الإعمار بعد الصراع في سوريا.

 

وبالتالي ترى الورقة أنهم، (المعارضة) إذا نجحوا في الانتخابات المقبلة، فإنهم يخططون للانسحاب من شمال غرب سوريا، إضافة إلى نظرتهم إلى نظام الأسد وحكومته كشريك محتمل للتعاون المستقبلي، وقد اقترحت بدء مناقشات مع الحكومة السورية وأصحاب المصلحة الإقليميين الآخرين، باستثناء “المنظمات الإرهابية”، لحل الصراع السوري وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.

سوريا إذن تترقب تلك الانتخابات ونتائجها، لترى كيف ستتعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية التي ستفرضها نتائجها، خاصة إذا فازت المعارضة التركية، وخرج أدروغان من المشهد السياسي.

الخليج واستثماراته.. هل ستتغير الآفاق؟

يعد الملف الاقتصادي العربي من الملفات المرشحة وبقوة للتأثر بنتائج الانتخابات التركية المقبلة، حيث تمتلك العديد من دول الخليج العربية حصة كبيرة من الاستسمارات في تركيا، وبالتالي فإنها معنية وبقوة بنتائج تلك الانتخابات.

فوفقا لموقع المينتور ضخت المملكة العربية السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي في مارس/ آذار الماضي، للمساعدة في تعزيز عملة البلاد بعد الزلزالين الهائلين اللذين دمرا شعبها واقتصادها في الشهر السابق.

في نفس الشهر، وقعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقية مع أردوغان لزيادة التجارة الثنائية إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2028.

وفي يونيو/ حزيران 2022، اشترت شركة الاستثمار “ADQ”، أصغر ثلاثة صناديق ثروة سيادية رئيسية في الإمارات.

 

يتصور سونر كاجابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنه إذا تغيرت الحكومة التركية، فستكون هناك تغييرات كبيرة تؤثر على الملف لاقتصادي مع الخليج العربي على وجه التحديد.

وقال كاجابتاي للمونيتور إن كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري ومنافس أردوغان الرئاسي، أعلن بالفعل أنه سيراجع مشتريات هذه الدول الخليجية في تركيا.

“يعتقد أنهم لم يكونوا منافسين، وقال إن هذه كانت هدايا مجانية لدول الخليج حتى تعيد العلاقات مع تركيا بعد سنوات من الخلاف السياسي، مضيفًا أن أردوغان بحاجة ماسة إلى الاستثمار الخليجي للمساعدة في إصلاح اقتصاد بلاده ومصداقيته الاقتصادية”.

وأشار كاجابتاي إلى أن العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي كانت مضطربة، وعانت لمدة 10 سنوات تقريبًا بين عامي 2010 و 2020 لأسباب أيديولوجية وشخصية.

مع ذوبان التوترات بين قطر وجيرانها في مجلس التعاون الخليجي في عام 2021، استثمرت دول الخليج مجتمعة عشرات المليارات في تركيا؛ استثمرت الإمارات العربية المتحدة 10 مليارات دولار في عام 2021، واستثمرت المملكة العربية السعودية مبلغًا مماثلًا في البنية التحتية لتركيا في عام 2022.

قال كاجابتاي إن استثمارات قطر في تركيا لم تتراجع خلال هذه الفترة بالنظر إلى موقفها الأيديولوجي الأكثر انحيازًا، حيث تعهدت الدوحة باستثمارات مباشرة بقيمة 15 مليار دولار في تركيا في عام 2018، وفي العام الماضي، وافق صندوق الثروة السيادية للبلاد على الاستحواذ على نحو 25% من نفق أوراسيا البالغ 160 مليون دولار والذي يربط تحت مضيق البوسفور بين الجانبين الآسيوي والأوروبي من إسطنبول.

الملفات العربية المتعلقة بالسياسة التركية كثيرة إذن، والتأثيرات ربما تتعدى نواحي اقتصادية إلى آثار سياسية تتعلق بالأوضاع الداخلية في عدد من الدول العربية، وأردوغان هو الورقة التي يراهن عليها كثير من العرب في حين يتمنى آخرون لأسباب أخرى فوز كليجدار… سننتظر لنرى.

المصدر: سبوتنيك

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.