في واحدة من أكثر المآسي الإنسانية قسوة في المشهد السوري، لا تزال معاناة مهجّري مدينة عفرين تتفاقم بعد مرور سنوات على تهجيرهم القسري، وسط غياب واضح لأي حلول جذرية، وصمت دولي يكرّس الإهمال تجاه قضيتهم العادلة. فقد تعرض أبناء هذه المدينة الكردية للتهجير مرتين في أقل من عقد، دون أن تلوح في الأفق بوادر لإنهاء معاناتهم الممتدة.
في آذار/مارس 2018، بدأت فصول التهجير الأول حين اجتاح الاحتلال التركي والفصائل الموالية له مدينة عفرين، ما أجبر مئات الآلاف من المدنيين على مغادرتها قسرا إلى منطقة الشهباء شمالي حلب.
واعتبر ناشطون حقوقيون أن العملية تمثل جريمة تهدف إلى تغيير ديمغرافي ممنهج، يهدف إلى اقتلاع السكان الأصليين من أرضهم واستبدالهم بآخرين.
في الشهباء، عاش المهجّرون أوضاعا إنسانية متدهورة، فُرض عليهم حصار خانق من قبل النظام السوري السابق، وتعرضوا لقصف متكرر من جيش الاحتلال التركي، فيما غابت أبسط مقومات الحياة في مخيمات النزوح الخمسة المنتشرة هناك. نقص الغذاء والدواء، وانعدام البنية التحتية، شكّلوا ملامح قاسية لحياة المهجّرين، في ظل تقاعس المنظمات الدولية والجهات المعنية عن أداء واجباتها الإنسانية.
نزوح جديد ومصير مجهول
في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عادت المأساة لتتكرر بعد أن شنّ جيش الاحتلال التركي والفصائل الموالية له هجوما جديدا على منطقة الشهباء، ما أجبر الأهالي على النزوح مرة أخرى، وهذه المرة إلى مناطق شمال وشرق سوريا، حيث استقر العديد منهم في مخيمات بمدينة الطبقة بريف الرقة.
ورغم إسقاط نظام الأسد في نهاية العام الماضي، والذي أعطى بعض الأمل بفتح صفحة جديدة في الملف السوري، إلا أن الواقع أظهر أن معاناة المهجّرين لا تزال مستمرة، وأن حقوقهم لا تزال مهدورة، دون أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم التي استُبيحت لصالح مشاريع الاحتلال والتجاذبات الإقليمية.
اليوم، وبعد سنوات من المعاناة، يرفع أبناء عفرين صوتهم مطالبين بعودة آمنة وكريمة إلى مدينتهم، في ظل إدارة تحترم حقوقهم وتصون كرامتهم. إنهم يرفضون أن يكونوا ضحايا دائمين لتوازنات سياسية ومصالح إقليمية.
وفي هذا السياق، يناشد الأهالي الحكومة السورية الانتقالية والمجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياتهم الإنسانية والأخلاقية، والتحرك العاجل لوضع حد لمأساتهم، واتخاذ خطوات عملية تؤمّن عودتهم إلى منازلهم وأراضيهم التي ما تزال ترزح تحت سيطرة الغرباء.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.