يعاني قطاع التربية والتعليم في سوريا تدهوراً متزايداً منذ استلام الحكومة الجديدة السلطة في دمشق، والتي تبدو عاجزة أو غير راغبة في حل قضية التعليم في سوريا وعدم تسييسها، يُذكر أن خطوات سلطة دمشق تجاه تعديل مناهج النظام السابق أثارت الكثير من الجدل بين السوريين وسط اتهامات بمحاولة سلطة دمشق أسلمة المناهج التربوية والتعليمية وفقاً للنظام الذي كانت حكومة الإنقاذ تتبعه في إدلب قبل سقوط النظام البعثي. من الناحية العملية توجد حالياً ثلاث مناهج تدرس في سوريا، وهي منهاج الإدارة الذاتية ومنهاج سلطة دمشق ومنهاج الحكومة المؤقتة الموالية لتركيا والمتماهي مع سياسة التتريك في المناطق المحتلة، وسط فقدان عشرات الآلاف من الأطفال والطلاب الجامعيين القدرة على الاستمرار في التحصيل الدراسي بسبب الأزمة الاقتصادية والبنية التحتية المدمرة وغياب الحلول الوطنية.
وشهدت الأسابيع الماضية الكثير من الجدل حول مستقبل العملية التربوية في سوريا. فبالنسبة للطلاب الذين يعتمدون المنهاج الحكومي في شمال وشرق سوريا من الذين كانوا يرتادون مدارس حكومية، وتعلموا مناهج رسمية في مربعات أمنية قبل سقوط النظام السابق نهاية العام الفائت، يواجهون خطر خسارة عامهم الدراسي، بسبب تعثر التفاهمات بين الحكومة السورية و”الإدارة الذاتية” حول المراكز الامتحانية والمناهج الرسمية، ما اضطر كثيرين إلى تسجيل أبنائهم في مدارس داخلية بعيدة في دمشق أو حلب للتقدم إلى الامتحانات، رغم الكلفة المرتفعة والمخاوف الأمنية، وفقاً لصحيفة “الشرق الأوسط”.
وعلى الرغم من إحجام سلطة دمشق عن الوصول إلى تفاهمات مع الإدارة الذاتية بخصوص قضية النعليم، تبدي الأخيرة مرونة كبيرة في هذا السياق، ففي مقاطعة الرقة صرَّحت الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في المقاطعة، زليخة عبدي، أنَّه تمَّ نقل مركز تسجيل طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية المتقدمين لمنهاج الحكومة الانتقالية من السبخة إلى مدينة الرقة، حيث تمَّ تحديد مدرسة الرشيد الابتدائية مركزاً للتسجيل، وأكدت أن هذه الخطوة تهدف إلى تذليل الصعوبات التي تواجه أهالي الرقة إذ يضطر معظمهم لقطع مسافات طويلة للتسجيل. وأصدرت هيئة التربية والتعليم لإقليم شمال وشرق سوريا في بيان نهاية شهر نيسان الفائت، أن اتفاق 10 آذار بين قيادة قسد وسلطة دمشق أتاحت الفرصة لإصلاح المسار التعليمي، وأشارت إلى أنه حرصاً على الجهود التي بذلها الطلاب طوال العام الدراسي للمناهج الحكومية بادرت بالتواصل مع منظمة اليونيسيف لبحث ملف العملية الامتحانية مع وزارة التربية السورية حيث تم عقد لقاء مباشر معها في منتصف شهر نيسان في دمشق، وتم الاتفاق على عدة نقاط أبرزها تمكين الطلاب من أداء امتحاناتهم في مناطقهم دون عناء التنقل، وتشكيل لجنة مشتركة مؤقتة لإدارة العملية الامتحانية بمنهاج دمشق في شمال شرق سوريا، وأكدت أنها حتى الآن لم تتلقى أي رد من سلطة دمشق حول المصادقة على هذا الاتفاق، مطالبة وزارة التربية بسرعة الرد على بنود الاتفاق والتحرك لإنقاذ العملية الأمتحانية وضمان حقوق الطلاب.
وفي السياق، تسببت السياسة الطائفية لسلطة دمشق بمشكلات للطلاب العلويين والدروز في جامعات حمص ودمشق وحلب الذي تعرضوا لاعتداءات طائفية وصلت إلى حد استخدام الأسلحة دون وجود أي تدخل من سلطة دمشق لحماية الطلاب، ما أجبر آلاف الطلاب. على مغادرة مقاعد الدراسة نظراً لصعوبة الدراسة في بيئة الخوف والترهيب. ويوم الأربعاء الفائت تمكن المئات من الطلاب الدروز من الوصول إلى محافظة السويداء، في عملية “إجلاء جماعي” بعد أن تقطعت بهم السُبل جراء الاعتداءات الطائفية التي تعرضوا لها على يد زملائهم المتدينين، وسط حالة من الغضب وخوف على المستقبل الدراسي، دون أن يكون أي تدخل صارم لوضع حد لهذه التصرفات الغريبة عن البيئة التعليمية، من وزارة التعليم العالي ومن إدارات السكن الجامعي، حيث كانت عمليات الإجلاء نتيجة فقدان الطلاب للشعور بالأمان.
بخصوص التعليم في مناطق الإدارة الذاتية، تسير عملية التحضير للإمتحانات بشكل طبيعي، حيث تتابع لجنة التعليم في هيئة التربية والتعليم استقبال الطلاب الراغبين بالتسجيل لتقديم امتحانات الشهادتين وفق منهاج الإدارة الذاتية إذا سيخضع طلبة الشهادتين الإعدادية والثانوية النظاميين لنظام التقييم ونظام الاحرار لامتحان مركزي. كما تعمل الهيئة على تحديد مراكز الامتحانات وبنك الأسئلة لمنهاج الإدارة الذاتية وتقديم كافة التسهيلات أمام الطلبة لاستكمال حصولهم على الشهادة الثانوية العامة وإتباع دراستهم في جامعات شمال وشرق سوريا بعد الحصول على النجاح. كما وتعمل مؤسسة المناهج في شمال وشرق سوريا على تطوير المناهج الدراسية وعليه تباشر كل مقاطعة بالعمل على ورشات لمناقشة المنهاج ورفع الملاحظات إلى هيئة التربية والتعليم.
أما في مناطق الشمال السوري فهناك تعتيم على العملية التعليمية فيها وتخضع لإملاءات السلطات التركية التي تنتهج سياسة تتريك ممنهجة في المنطقة. وحتى الآن لم تبدي سلطة دمشق أي موقف تجاهها.
وتنكر سلطة دمشق الوضع التعليمي المتدهور في مناطقها، ولم تصدر أي موقف تجاه ملف التعليم في شمال وشرق سوريا بشكل رسمي، حيث أكد مصدر تربوي في “الإدارة الذاتية” أن المحادثات مع وزارة التربية لم تفض إلى اتفاق، بسبب رفض الوزارة الاعتراف بالمنهاج المحلي ومنح الشرعية لجامعات شمال وشرق سوريا. وبخصوص العنف الطائفي في الجامعات السورية زعم وزير التعليم العالي لدى سلطة دمشق أن العلاقة بين الطلبة داخل السكن الجامعي يسودها جو من “التفاهم العام والتوافق الأهلي” محملاً وسائل الاعلام مسؤولية ما أسماه بـ “البلبلة بين الطلاب”، وهذا ما يتعارض مع تأكيدات طالب درزي من كلية الهندسة وقال لصفحة “السويداء24” : “تضعف الدولة السورية وتظهر بأنها غير قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية وتحد من قدرتها لبناء مستقبل أفضل للسوريين، وهذا لا يتمناه أحد”…
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.