في ظل أزمة كهرباء خانقة باتت واحدة من أكبر التحديات اليومية للسكان، حيث يستمر انقطاع التيار الكهربائي عن مدينة القامشلي وريفها تماماً ضمن مقاطعة الجزيرة منذ أكثر من عامين ، هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل تفاقمت بفعل عوامل عدة أبرزها الاستهدافات المباشرة للبنية التحتية من قبل دولة الاحتلال التركي، واستمرار حجز مياه نهر الفرات، ما تسبب بانخفاض كبير في منسوب المياه وتراجع القدرة الإنتاجية لمحطات توليد الكهرباء، لا سيما تلك المرتبطة بسد الفرات.
ومع توقف محطتي تحويل القامشلي الجنوبية والشمالية عن العمل بسبب تعطل الخط الكهربائي الرئيسي الواصل من السد، لم يعد أمام الأهالي سوى الاعتماد شبه الكامل على كهرباء “الأمبيرات”، وهي عبارة مولدات خاصة توزع الكهرباء بنظام الاشتراك المدفوع، يتفاوت حسب عدد ساعات التشغيل اليومية (8، 16، 24 ساعة).
لكن هذا النظام، رغم ضرورته، يثقل كاهل المواطنين بتكاليفه المرتفعة، ويزيد من معاناتهم بسبب سوء نوعية الوقود والانبعاثات الضارة التي تنتج عنه، فضلاً عن أعطاله المتكررة.
وفي ظل موجات حرّ خانقة تجاوزت فيها درجات الحرارة 45 درجة مئوية، بات انعدام الكهرباء النظامية كارثة حقيقية على السكان، خصوصاً مع تعطل وسائل التبريد وانعدام القدرة على التكيف مع هذا المناخ القاسي. ورغم إعلان بلدية القامشلي عن قرارها القاضي بتشغيل المولدات 16 ساعة يومياً، وتأكيدها أن لجاناً مختصة ستتابع التنفيذ وتفرض غرامات على المخالفين، فإن الواقع يُظهر خلاف ذلك تماماً. لا التزام يُذكر في معظم الأحياء، ولا رقابة فعلية من البلدية، ما يعكس تقاعساً واضحاً عن أداء الدور المفترض.
في المقابل، تظهر مدينة الحسكة كمثال معاكس، حيث نجحت البلدية هناك في فرض الالتزام على أصحاب المولدات وتشغيلها بالحد الأدنى من الساعات المطلوبة. أما في القامشلي، فالفوضى والتفاوت في الالتزام هما السائدان، وسط تذمّر كبير من المواطنين وشكاوى من أصحاب المولدات أنفسهم، من سوء نوعية المازوت في الدفعات الأخيرة وتسببه بأعطال تجبرهم على إيقاف التشغيل في ذروة الحر.
أزمة الكهرباء ليست مجرّد أزمة طاقة، بل تعكس خللاً عميقاً في الإدارة وتقصيراً مستمر من الجهات المعنية، فيما يبقى المواطن وحيداً في مواجهة هذا الواقع القاسي، محاصراً بين حرارة الصيف المرتفعة وارتفاع الفواتير، دون أي حلول ملموسة تلوح في الأفق.
خالد جمعة الرئيس المشترك لبلدية القامشلي أوضح لوسائل إعلام محلية أن البلدية لا تستطيع إلزام أصحاب المولدات – الذين كانوا يعملون سابقاً بنظام تشغيل 8 ساعات – بالتحوّل إلى تشغيل 16 ساعة، بسبب عدم قدرة المولدات الفنية على تحمّل فترات العمل الطويلة.
وأشار جمعة إلى أن البلدية تلتزم بتوزيع مادة المازوت فقط على المولدات التي تقدّمت بطلب رسمي للتشغيل لدى المجلس والكومين في الحي، وهو ما يقيّد قدرة البلدية على فرض قرارات موحدة على جميع أصحاب المولدات.
هذا الواقع يعكس جزءاً من الإرباك والتعقيد في إدارة هذا الملف الحيوي، ويؤكد الحاجة الماسّة إلى حلول مستدامة ومنهجية واضحة لمعالجة أزمة الكهرباء، التي تغيب عن المدينة منذ أكثر من عامين.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.