صـ.ـراع داخلي في هرم السلـ.ـطة ومعطيات عن علم أنقرة المسبق بمخطط تفـ.ـجير تدمر
لم يكن التفجير الذي هزّ المنطقة في شمال غرب سوريا حدثاً أمنياً معزولاً أو نتيجة خلل عابر في الإجراءات، بل جاء في توقيت بالغ الحساسية ليعكس تصعيداً محسوباً في صراع النفوذ بين أجنحة السلطة المتنافسة داخل البنية الأمنية والعسكرية المسيطرة على المشهد. الحدث حمل دلالات تتجاوز طبيعته الميدانية، ووضع الصراعات الداخلية المكبوتة في الواجهة، كاشفاً عن عمق الانقسامات وحدّة التنافس على القرار والنفوذ.
في صلب هذه التطورات، برز هدف واضح يتمثل في إحراج زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، المعروف باسم “الشرع”، وإظهاره بصورة القائد العاجز عن ضبط قواته وأجهزته الأمنية. هذا المشهد يتناقض مع الجهود التي يبذلها الجولاني لتكريس نفسه ضامناً للاستقرار وصاحب سلطة مركزية قادرة على التحكم بالميدان، تمهيداً لتسويق نفسه كشريك سياسي مقبول إقليمياً ودولياً. التفجير، بهذا المعنى، لم يضرب الجانب الأمني فحسب، بل استهدف جوهر المشروع السياسي والأمني الذي يسعى الجولاني إلى ترسيخه.
الواقع الميداني يعكس انقساماً فعلياً داخل المنظومة الحاكمة، حيث تتوزع مراكز القوة بين أجنحة متعددة ذات مرجعيات متباينة وأجندات متعارضة. جناح محسوب على تركيا يضم شخصيات سياسية وعسكرية وفصائل تركمانية، مقابل جناح آخر يقوده أنس خطاب وأبو أحمد حدود، ويُعدّ امتداداً للتيار الجهادي الأكثر تشدداً، الرافض لأي انفتاح على التحالف الدولي أو مسارات التسوية السياسية. في المقابل، يتموضع جناح الجولاني مدعوماً بشخصيات مثل أبو قصرة، ويُنظر إليه على أنه أقرب إلى مقاربات خليجية، ويسعى لإعادة إنتاج السلطة بصيغة أقل صدامية مع الخارج وأكثر قابلية للتكيف مع المتغيرات الإقليمية.
تنفيذ العملية نُسب إلى عناصر أمنية محسوبة على جناح أنس خطاب، مع دور تنسيقي لشخصيات أمنية فاعلة تنشط في مناطق البادية، من بينها أبو جابر معردبسة المعروف باسم سفيان الشيخ صالح، أحد المقربين من هذا التيار. طبيعة التفجير وطريقة حدوثه داخل بيئة يُفترض أنها محصنة أمنياً، تعززان فرضية أن ما جرى لم يكن اختراقاً تقليدياً، بل نتيجة تسهيلات متعمدة وقرار أمني–سياسي أتاح تنفيذ العملية في هذا التوقيت والمكان.
الرسائل التي حملها التفجير كانت مباشرة وقاسية. أولها التأكيد على أن الجماعات الجهادية ما زالت تمتلك القدرة على التأثير الميداني وخلط الأوراق، وأن محاولات تهميشها أو تجاوزها في معادلة الحكم لن تمر دون رد. كما وجّهت رسالة واضحة مفادها أن الجولاني، رغم محاولاته فرض مركزية القرار، لا يستطيع الاستغناء عن هذه القوى أو كسر نفوذها دون دفع أثمان أمنية باهظة قد تهدد تماسك سلطته.
على المستوى الإقليمي، تتقاطع هذه التطورات مع معلومات تفيد بأن تركيا كانت على علم مسبق بالمخطط، وقدّمت دعماً استخباراتياً ولوجستياً غير مباشر، في إطار إدارة الصراع بين الأجنحة المختلفة واستخدامه كأداة ضغط وضبط إيقاع داخل المشهد الداخلي. هذا الدور يُقرأ على أنه محاولة لإبقاء جميع الأطراف ضمن هامش السيطرة، ومنع أي جناح من الانفراد بالقرار أو الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة قد تهدد المصالح التركية في المنطقة.
في الخلاصة، يكشف التفجير انتقال الصراع من مرحلة التنافس الخفي إلى المواجهة الأمنية غير المباشرة، ويعرّي هشاشة البنية الأمنية القائمة على توازنات مؤقتة وولاءات متداخلة. كما ينذر بمرحلة أكثر اضطراباً، يتحول فيها الأمن إلى أداة لتصفية الحسابات الداخلية، في ظل غياب مشروع موحد وقدرة فعلية على فرض سلطة مركزية مستقرة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.