NORTH PULSE NETWORK NPN

هكذا تحدث الأهالي في الذكرى السنوية الثانية لـ”مجزرة أطفال تل رفعت” بريف حلب الشمالي

نورث بالس

فرحاً بشروق الشمس بعد أسبوعٍ ماطر؛ خرج أطفال عفرين النازحون في ناحية تل رفعت، ليلعبوا في الهواء الطلق، بعيداً عن أجواء الحرب والحرمان، لكنهم صعقوا بهطول القذائف عليهم، فتناثرت أشلاؤهم في أرجاء مكان لعبهم، على امتداد الشارع.

مجزرة مروعة بحق الطفولة والإنسانية ارتكبتها القوات التركية بحقّ نازحي عفرين في ناحية تل رفعت بمناطق الشهباء في شمال شرق سوريا قبل عامين.

التفاصيل المؤلمة للمجزرة وما خلفتها من أضراراً بشرية ونفسية على الأطفال، مازالت ترافق من نجا منها حتى الآن.

في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2019؛ وبعد اسبوعٍ ماطر وبرد قارس؛ أشرقت شمسٍ ساطعة ودافئ، فأراد أطفال عفرين النازحين لناحية تل رفعت في الشهباء، الخروج من منازلهم للعب واللهو في الشارع، حيث حرموا من ارتياد الملاعب والحدائق العامة، إلا أن فرحتهم بهذه الفرصة تحولت إلى جحيم، بعد أن هطلت قذائف القوات التركية عليهم.

راح ضحية المجزرة 8 أطفال، أكبرهم 14 عاماً، إضافة إلى رجلين مسنين في عقدهم الخامس، وإصابة 8 أطفال آخرين بجروح متفاوتة، منهم من من فقد ساقه، وآخرين بصرهم أو أحد أطرافهم.

“جعفر محمد” والد الطفل “عارف” ذو الـ/7/ سنوات، والذي استشهد في المجزرة؛ يسرد تفاصيل يوم المجزرة قائلاً: “بفعل وممارسات وجرائم الدولة التركية؛ اضطررنا للخروج من أرضنا ونزحنا صوب ناحية تل رفعت، في 2 ديسمبر/ كانون الأول وفي يوم الاثنين تحديداً، كانت الشمس الدافئة ساطعة، فاستغل الأهالي الفرصة للخروج والجلوس أمام منازلهم، والأطفال اختاروا اللهو واللعب في الشارع”.

وأشار “محمد” أن حياتهم لا زالت في خطر، حيث تواصل القوات التركية والفصائل الموالية لها استهداف مناطق الشهباء التي نزح إليها مهجرو عفرين بالقذائف وقصفها بالطائرات المسيرة، وبشكل شبه يومي، منوهاً أن ولده لا زال يشعر بالخوف والهلع كلما سمع صوت قذيفة سقطت على بلدة تل رفعت أو في محيطها.

وندد “محمد” بصمت المنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية والتي تدعي حماية الطفولة، وقال: “إن أطفالنا يبادون هنا أمام أعيننا، ولا تحرك أي من المنظمات الإنسانية والمهتمة بحماية الطفولة ساكناً أمام الجرائم التي ترتكبها القوات التركية”، وطالبها بالتدخل لوقف الانتهاكات اليومية بحق النساء والأطفال وتقديم الجناة إلى المحاكم الدولية.

بعد يوم من وقوع المجزرة؛ شيع أهالي عفرين “الأطفال الشهداء”، بمراسم مهيبة شارك فيها الآلاف من أهالي المنطقة وهم رافعين على أكتافهم نعوشهم الصغيرة، وسط نحيب الأمهات وصراخ الآباء.

بدورها قالت والدة الشهيد “عارف أسمهان خلو” أنهم كانوا يعيشون بأمان واستقرار في موطنهم بعفرين قبل استهداف القوات التركية لها. وأكدت أنهم طيلة شهرين من العدوان على عفرين، عانوا الويلات وكانوا وجهاً لوجه مع الموت كل ساعة، مشيرة أنهم لم يتوقعوا النزوح إلى تل رفعت، ولا فضلوا العيش فيها، إلا أنهم اضطروا اللجوء إليها، هرباً من الموت الذي كان يلاحقهم في كل خطوة من قبل القوات التركية والفصائل التابعة لها.

أكدت إلى حقد ولاإنسانية الدولة التركية لم تتوقف هنا فحسب، إنما يستهدفهم منذ نزوحهم للمنطقة إلى أن ارتكب مجزرة مروعة بحق الطفولة والإنسانية باستهداف مدنيين لا علاقة لهم بالحرب فما ذنب هؤلاء الأطفال الذين لا يمكن ملاهي أو حتى ملعب يخص اللعب واختاروا اللهو في الشارع؟.

تصف “أسمهان خلو” اللحظات المأساوية التي كانت فيها لحظة ارتكب المجزرة، قائلة: “ابني الصغير استشهد وآخر أصيب، واحترت في أمري، إلى أي واحد منهم أتوجه..!، أبكي الجريح أم الشهيد..!! حقاً كانت من أقسى اللحظات التي مررت بها في حياتي، هذا فيما رأيت بأم عيني أكفالاً فقدوا أبصارهم، وآخرين أجزاء من أجسادهم، وسط صراخ الأمهات، حيث تلون المكان خلال لحظات باللون الأحمر، وتناثرت أشلاء الشهداء الصغار في أرجائه، فيما هرع الجميع لانتشال من بقي حياً، ولم يأبه أحداً بالسقوط المستمر للقذائف”.

وأشارت “أسمهان خلو” أنه ورغم مرور عامين على وقوع المجزرة؛ فإن أياً من المنظمات الإنسانية تدخلت وحققت فيها، حتى منظمة اليونيسيف لم تتحرك، وهي المعنية بحماية الطفولة، فكان حري بها أن تحاسب تركيا على جرائمها، وفق وصفها.

وأكدت أن ولدها المصاب لا زال حتى اليوم يعاني من آلام الجروح التي أصيب بها، فضلاً عن معاناة فقده لشقيقه الصغير.

بعد اليوم الثاني من وقوع المجزرة؛ اكتفت منظمة اليونيسيف بنشر تغريدة في صفحتها على موقع “التوتير”، عبرت فيها عن الصدمة والحزن إزاء ما شاهدته من مشاهد في المجزرة، وذكرت كافة أطراف النزاع في سوريا بواجب حماية الأطفال، دون القيام بإجراءات عملية رادعة ومحاسبة تركيا بشكلٍ جدي.

من جانبها تحدث معلمة “الأطفال الشهداء” في المجزرة “سهام كوتو”، قائلة: “تأثرت بهذا الواقعة المروعة كثيراً، وخلقت لدينا جميعاً شعوراً باليأس والإحباط إزاء النفاق الدولي حيال شعوب تُباد، فما ذنب هؤلاء البراعم الصغيرة لأن يقتلوا بتلك الصورة الوحشية، إنهم عندما يقتلون الطفولة؛ فإنما يقتلون العلم والمعرفة ويغلقون أمامنا دروب المستقبل والحياة”.

وأكدت “كوتو” أن المجزرة خلقت تأثيراً سلبياً لدى الأطفال الآخرين، فانكفأ معظمهم عن اللعب في المدرسة، خشية من تكرار عمليات القصف، كما غابت تجمعاتهم العفوية، وأشارت أنهم تمكنوا من تجاوز هذه العقدة التي تشكلت لدى الأطفال من خلال الزيارات المتكررة لهم إلى منازل الأطفال، وتحدثهم إلى ذويهم إرشادهم نفسياً.

في حين قالت الطفلة “صباح محمد” الشاهدة على المجزرة: “بعد أن سمعنا أصوات القذائف؛ توجهت للخارج وناديتُ على شقيقي الذي كان يلعب في الشارع مع أصدقائه، إلا أنني صعقت بمشاهد مؤلمة ومرعبة بانتشار أشلاء الأطفال في أرجاء الشارع وسيلان الدماء فيها”.

وأضافت “لا نريد الحرب والدمار والمزيد من الضحايا وقتل أصدقائنا الأطفال، نريد أن نعود لأجواء الأمان والاستقرار الذي كنا نعيشها في عفرين سابقاً، نطالب بالعودة إلى أرضنا مجدداً”.

ومن أشد المشاهد المؤلمة التي عاشتها عوائل أطفال مجزرة تل رفعت بعد استشهادهم؛ كان احتفال الأم “أسمهان خلو” بعيد الميلاد الثامن لابنها “عارف”، وعلى ضريحه في مزار شهداء تل رفعت بناحية فافين بمناطق الشهباء، لكن لم تكن تزغرد، بل تبكي وترثي ابنها الشهيد!

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.