أز.مة المقـ.ـاتلين الأجانب في سوريا تقـ.ـوّض قدرة دمشق على كسب ثقـ.ـة المجتمعين المحلي والدولي
تشكل مشكلة المقاتلين الأجانب في سوريا بعد سقوط النظام البعثي هاجساً كبيراً للمجتمع المحلي والدولي، وتحدياً كبيراً أمام سلطة دمشق، في ظل الانتهاكات المرتكبة لدوافع طائفية وفقدان الثقة بين السـلطة الجديدة والمكونات السورية الأخرى، والتي يتم فيها تحميل هؤلاء المقاتلين جزءاً كبيراً من المسؤولية عنها. وما يثير الجدل وحالة عدم اليقين في سياق المرحلة الجديدة في البلاد مسألة دعوات دمجهم في المجتمع المحلي ومنحهم الجنسية السورية، حيث وصل الأمر الى تنصيب بعضهم في مراكز حكومية وعسكرية بعد منح بعضهم رتب عسكرية بذريعة مشاركتهم في إسقاط النظام، وفي تصريحات سابقة في شهر كانون الثاني الفائت، أكد أحمد الشرع (رئيس سلطة دمشق) أن المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في الإطاحة بنظام الأسد “يستحقون المكافأة”، ملمحاً إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية. إلا أن ما يقض مضجع سلطة دمشق في هذا الملف هو الرفض الشعبي لسياستها في “سَورنة” هؤلاء المقاتلين، بالتوازي مع المطالب الغربية بإبعادهم عن مراكز التأثير في السلطة الجديدة وتجريدهم من القدرة على تهديد الأمن والسلم الدوليين. الأمر الذي يعني أن هناك بعدين لمشكلة المقاتلين الأجانب في سوريا: الأول دولي والبعد الثاني محلي.
وينتشر في سوريا عدد كبير من المقاتلين الأجانب بين صفوف التنظيمات المتطرفة مثل داعـ.ـش والقـ.ـاعدة وهيـ.ـئة تحـ.ـرير الشام وفصائل فلسـ.ـطينية وشيـ.ـعية التي تنشط في مناطق الداخل السوري، يحملون جنسيات صينية وعربية وأوروبية وقوقازية وآسيوية، وأبرز من يثيرون الجدل هم المقاتلون في صفوف قوات سلطة دمشق. ووفقاً لتقرير نشرته مجلة “المجلة” هناك التركستان (صينيين) ويقدر عددهم بـ 2500 مقاتل، وشيشان ويقدر عددهم بـ 550 وخليجيين حوالي 200 عنصر بالإضافة إلى مصريين وأتراك وطاجيك وأوزبك وألبان وأوربيين. بالإضافة إلى أن عدد من عناصر الفصائل الفسلطينية والإيرانية لايزالون متواجدون في مناطق سيطرة سلطة دمشق وبعضهم يحمل الجنسية السورية.
بالنسبة للبعد الدولي لمشكلة المقاتلين الأجانب، فبحسب تقرير حديث نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، فإن إبعاد المقاتلين الأجانب عن تسلم مناصب قيادية ومنع أي نشاط لهم يهدد الأمن الغربي أحد شروط الإدارة الأميركية للسلطات السورية مقابل رفع العقوبات جزئياً عن دمشق. ونقل تقرير واشنطن بوست عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، قوله: “لا تزال واشنطن متشككة بشأن الحكومة السورية الجديدة، التي تفتقر إلى تمثيل يُذكر للأقليات، بينما تضم في مناصب بارزة مقاتلين أجانب متطرفين..”، يُذكر أن القوات الأمريكية استهدفت عدد منهم في الشمال السوري خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025م، ومن بين المطالب أيضاً إبعاد الفصائل الفلسطينية، واتخاذ خطوات فعلية لمنع أي نشاط لفصائل فلسطينية على الأراضي السورية، والقيام بترحيل عناصرها إلى خارجها. وهو الإجراء الذي يهدف إلى تهدئة المخاوف الإسرائيلية من تواجد هذه الفصائل بالقرب من حدودها. من ناحية أخرى تتابع الكثير من العواصم الغربية والعربية والصين باهتمام ملف هؤلاء المقاتلين وتسعى للحصول على ضمانات من دمشق لتحييدهم. وللتقليل من المخاوف الغربية أعلنت سلطة دمشق أن المقاتلين الأجانب في صفوفها لن يشكلوا تهديداً لأي دولة صديقة مع التركيز على استخدامهم لمحاربة فلول النظام وحلفائه وأعداء سلطة دمشق داخل حدود البلاد، ودمجهم في الجيش السوري الجديد وعزلهم عن الفصائل المستقلة ووضعهم تحت قيادة موحدة. وزعمت سلطة دمشق أنها وضعت “خطوط حمراء” بالنسبة للمقاتلين الأجانب، منها عدم السماح لهم ببناء تنظيمات خاصة خارج سيطرة الدولة وعدم السماح بقيامهم بأي نشاط يستهدف أمن الدول الصديقة. وفي سياق متصل، ألقت الأجهزة الأمنية في دمشق، الثلاثاء، القبض على مسؤول حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في سوريا خالد خالد، ومسؤول اللجنة التنظيمية للساحة السورية أبو علي ياسر، في دمشق وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، وذلك بتهمة “التخابر مع إيران”، بالإضافة إلى وضع مجموعات من المقاتلين التركستان في مواجهة حزب الـ.ـله اللبناني على الحدود السورية- اللبنانية وخاصة في منطقة القصير وجنوب طرطوس، إلا أن استمرار العقوبات يشير إلى أن المجتمع الدولي لا يزال غير قادراً على بناء الثقة مع سلطة دمشق وعدم كفاية خطواتها.
بالنسبة للبعد المحلي لمشكلة المقاتلين الأجانب، نقلت “اندبندنت عربية” في تقرير لها شهادات عن ناجين من العنف الطائفي في غربي سوريا، ووجود مقاتلين أجانب على حواجز في مداخل البلدات العلوية تسأل أهالي المنطقة عن هويتها الدينية والطائفية، وما يترتب على الأمر كما في كثير من الأحيان انتهاكات معنوية وشتائم وإهانات تصل حد القتل أحياناً، وهو ما وثقه هؤلاء المقاتلين بهواتفهم ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي السياق أكدت منظمة “إنسايت” الحقوقية وتقارير لمنظمات حقوقية أخرى، الثلاثاء، على أن حصيلة القتلى المدنيين خلال عمليات أمنية كانت الأكثر عدداً بين تصنيفات الضحايا، خلال الربع الأول من العام 2025م، بسبب الجرائم الواسعة خلال الحملة الأمنية في الساحل السوري التي شارك فيها مجموعات جهادية من عناصر أجانب. ووثق تقرير لمنظمة “إنسايت” الحقوقية تعرض الساحل السوري لجرائم قتل واسعة دون تمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين، بلغ عدد القتلى 886 مدنياً على الأقل، هم 771 رجل و69 امرأة و46 طفل، ما تسبب أيضاً بنزوح العائلات وسط ظروف بالغة القسوة منذ بداية العام 2025م. إلا أن تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان وناشطين محليين وشهادات ذوي الضحايا تشير إلى أن الأعداد أكبر بكثير ويصعب توثيقها بسبب القيود الأمنية التي تمنع وصول الاعلاميين والحقوقيين إلى المنطقة، وسط أنباء عن عمليات سبـ.ـي للنساء وهي عادة دارجة لدى الجهـ.ـاديين الأجانب في سوريا منذ فترة سيطرة داعـ.ـش على المنطقة. وهو أمر ترفضه المجتمعات المحلية بشدة وخاصة المعتدلين السنة والدروز والعلويين والشيعة والإسماعيليين بالإضافة إلى الكرد والمسيحيين والإيزديين، حيث تطور الأمر إلى “أزمة ثقة” بين هذه المكونات السورية وسلطة دمشق.
ويرى مراقبون أنه يتعين على سلطة دمشق كسب ثقة المجتمع المحلي والدولي للخروج من أزمات البلاد، وستشكل مشكلة المقاتلين الأجانب أزمة وطنية سورية طالما لا توجد حكومة وطنية ودستور وطني يحظى بتأييد غالبية السوريين ويضمن حقوقهم ويوفر الأمان والأمان لهم. ووفقاً لخبراء في القانون الدولي تعد الفدرالية أو اللامركزية حل وسط لطمأنة السوريين، والسماح لسلطة دمشق بالاحتفاظ بمقاتليها الأجانب ضمن مناطق سيطرتها المباشرة وإبعادهم عن منظومة الأمن الوطني السورية…
#نورث_بالس
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.