NORTH PULSE NETWORK NPN

الإدارة الذاتـ.ـية في شـ.ـمال سوريا.. نمـ.ـوذج دسـ.ـتوري لـ.ـسوريا التـ.ـعددية والمواطنـ.ـة

مع دخول الأزمة السورية عامها الخامس عشر، تزداد الحاجة إلى مخرج سياسي شامل يعيد صياغة العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أسس جديدة، تضمن الحقوق والحريات، وتحمي التنوع القومي والديني. في قلب هذه الضرورة، تبرز مهمة صياغة دستور جديد كخطوة محورية نحو بناء دولة ديمقراطية عادلة، تستند إلى سيادة القانون والمواطنة المتساوية، لا إلى الهيمنة المركزية أو الشعارات المجردة.

نموذج الإدارة الذاتية: تجربة مؤسسية للتعددية والعدالة

في شمال وشرق سوريا، قدّمت تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية نموذجا عمليا لإدارة مجتمعية قائمة على التشاركية والتمثيل المتوازن. هذا النموذج، الذي تأسس على مبادئ اللامركزية والعدالة الاجتماعية والمساواة الجندرية، نجح في تأسيس مؤسسات تشاركية تشمل العرب والكرد والسريان والآشوريين والأرمن والشركس وغيرهم، حيث تشارك جميع المكونات في صنع القرار، وإدارة شؤونها المحلية والثقافية والتعليمية.

لم يكن التعايش السلمي ضمن هذه التجربة نتيجة شعارات مكررة، بل ثمرة لإرادة سياسية حقيقية، تُرجمت إلى سياسات تعليمية متعددة اللغات، ومجالس محلية منتخبة، وتمكين ملموس للمرأة والشباب في مواقع القيادة. وقد أثبتت هذه التجربة أن احترام الخصوصيات الثقافية واللغوية لا يتعارض مع وحدة الدولة، بل يعزّز تماسكها واستقرارها.

من تجربة محلية إلى أساس دستوري لسوريا المستقبل

تدعو أطياف واسعة من المحللين والناشطين إلى البناء على تجربة الإدارة الذاتية في صياغة الدستور السوري المقبل، بما يضمن تمثيلًا عادلًا لكل المكونات، ويحوّل الاعتراف بالتنوع إلى ممارسة مؤسساتية راسخة. فقد أظهرت السنوات الماضية أن غياب التمثيل الحقيقي والتهميش المنهجي كانا من أبرز أسباب تفكك الدولة وانفجار الصراع.

إن تثبيت مبادئ اللامركزية الديمقراطية في الدستور الجديد، من خلال منح الأقاليم صلاحيات حقيقية في إدارة شؤونها، يشكّل الطريق الأكثر واقعية نحو سوريا موحّدة، مستقرة، وعادلة. فليس المطلوب فقط إنهاء الاستبداد المركزي، بل الحؤول دون إنتاجه مجددا بأشكال أخرى، عبر منظومة قانونية تحمي الحقوق، وتؤسس لمستقبل تُعبّر فيه كل فئة عن تطلعاتها بحرية وكرامة.

إن تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا لم تعد مجرد مشروع محلي، بل تحوّلت إلى مثال عملي يمكن الاستلهام منه عند بناء عقد اجتماعي سوري جديد. دستور يعكس الإرادة الحرة للسوريين، ويُترجم تطلعاتهم في دولة ديمقراطية تعددية، تقوم على المواطنة، وتحمي التنوع، وتمنع العودة إلى الاستبداد بصوره كافة. وحده هذا المسار كفيل بتحويل الأزمة السورية من مأساة مستمرة إلى فرصة تاريخية لإعادة بناء الوطن على أسس صلبة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.