NORTH PULSE NETWORK NPN

تغيرات المناخ واستغلال تركيا للمياه في السياسة يزيدان من تدهـ.ـور الموسم الزراعي

 

تعد موجة الجفاف التي تمر بها المنطقة الأشد منذ 3 سنوات، وتركت تأثيرات كبيرة على النشاط الاقتصادي للمجتمعات المحلية التي تعتمد غالبيتها على الزراعة والقطاعات الأخرى التي تستفيد منها من صناعة وتجارة وتربية الحيوان. وتسبب الجفاف بتداعيات خطيرة على موسم العام 2024-2025، حيث أثر بشكل سلبي على نمو المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والشعير. وحذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، الأربعاء، من أن الجفاف الحاد الذي تشهده سوريا هذا العام قد يؤدي إلى خسارة نحو 75% من محصول القمح المحلي، ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الغذائي لملايين السكان، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”. وتوقعت المنظمة عجزاً في كمية القمح يصل إلى 2.7 مليون طن هذا العام، وهو ما يكفي لإطعام 16.3 مليون شخص لمدة عام كامل، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.

ويتفق معظم المهندسين الزراعيين في شمال وشرق سوريا، والعاملين في مراكز البحوث الزراعية في قامشلو والحسكة والرقة على وجود سببين رئيسين لارتفاع معدلات الجفاف في المنطقة وتدهور الموسم الزراعي، وهما تغيرات المناخ وما ينجم عنها من تراجع في معدلات هطول الأمطار، وكذلك استغلال تركيا المياه كسلاح لفرض أجندات سياسية أو الضغط على الإدارة الذاتية أو ممارسة سياسة العقاب الجماعي بحق المواطنين، بالإضافة إلى ما تسببت به المشاريع المائية التركية من تجفيف الكثير من الأنهار مثل أنهار: الخابور والجقجق وجراح، والتسبب بالانخفاض الحاد في منسوب نهري الفرات والبليخ نتيجة لحبسها المياه عن النهرين، حيث لم يتجاوز تدفق المياه الحالي في الفرات 250 متر مكعب في الثانية، وهو أقل بكثير من الكمية المتفق عليها في اتفاقية 1987، والتي تبلغ 500 متر مكعب. الأمر الذي أثر بشكل كبير على الأمن الغذائي والدخل الاقتصادي للمزارعين والسكان، وأدى إلى تلف محاصيلهم. وخاصة في مقاطعات: الفرات والطبقة والرقة وديرالزور. من ناحية أخرى أدى تدمير القصف التركي لمحطات النفط والطاقة في شمال وشرق سوريا إلى بروز صعوبات كثيرة في تأمين مادة المازوت التي تعد عاملاً رئيسياً في تشغيل الدورة الزراعية حتى موسم الحصاد، الأمر الذي تسبب بزيادة تكاليف الإنتاج.

ورغم خسارة العشرات من المزارعين لموسهم الزراعي، يحتفظ أصحاب الزراعات المروية ببعض التفاؤل الحذر، وفي هذا السياق قال م.حمود الخلف، رئيس لجنة الوقاية في هيئة الزراعة والري التابعة لمجلس الاقتصاد والزراعة لمقاطعة الرقة في لقاء مع وكالة “هاوار” الأربعاء الفائت: “خلال جولاتنا الاعتيادية على المحاصيل الزراعية ضمن الأراضي المروية وخاصة محصول القمح نتوقع أن يكون المحصول أفضل من العام الماضي”. ولفت إلى أن الإنتاج من الموسم البعلي سيكون صفر% وذلك بسبب موجة الجفاف القاسية التي مرت على المنطقة. وفي منتصف الشهر الجاري انطلق موسم حصاد الشعير بعد زراعة 90 ألف دونم، وفقاً اما أفادت به لجنة الزراعة والري، بدءاً من المناطق الجنوبية والشرقية، حيث ساهمت درجات الحرارة المرتفعة نسبياً خلال شهر نيسان في تسريع نضج المحصول. كما وشهد الموسم الحالي تبايناً في الظروف المناخية بين قلة في الأمطار في بعض المناطق والاعتماد على مصادر الري الأخرى، ما أدى إلى اختلاف نسبي في إنتاجية الشعير من منطقة لأخرى. ويُعد الشعير من المحاصيل الاستراتيجية الأساسية التي يعتمد عليها المزارعون كمصدر للغذاء والعلف الحيواني في المنطقة.

ولتجاوز التحديات، يتبع المزارعون والإدارة الذاتية مجموعة من الإجراءات. حيث نفّذ قسم الصيانة في مكتب الري التابع للجنة الزراعة والثروة الحيوانية بهيئة الاقتصاد والزراعة، أعمال صيانة إسعافية على قناة البليخ في منطقة شنينة، وذلك بعد رصد كسر مفاجئ في جسم القناة. ورغم الطبيعة الطارئة للعمل، تم إنجاز المشروع في غضون خمسة أيام فقط، بفضل التنسيق بين الفرق الميدانية وكوادر الدعم الفني، مما ساهم في استمرار إيصال المياه للأراضي الزراعية دون أي تأخير يُذكر. وفي مقاطعة الرقة بحث مكتب الري التابع للجنة الزراعة والثروة الحيوانية في هيئة الاقتصاد والزراعة خلال اجتماعه يوم الأربعاء، العوائق أمام أعمال صيانة الأقنية والآليات، وبعض مجموعات الضخ في المحطات، بسبب تأخر الميزانية الاستثمارية لعام 2025، ما يعيق تنفيذ أعمال صيانة الأقنية. كما قرر الاجتماع فتح اعتماد لموظفي القطاع الجنوبي من نهر الفرات، بعد انضمام 5500 هكتار من الأراضي الزراعية إلى المشروع نتيجة إدراج القناة المغذية ضمن مناطق الإدارة الذاتية التي عملت على تزويد المزارعين بالمحروقات الخاصة بتشغيل محرقات الري، وتزويدهم بالبذار الأنسب المتجاوب مع تقلبات المناخ.

من جهتهم اتخذ المزارعون جملة من الإجراءات لتعويض خسائرهم أو التخفيف من تكاليف ري محاصيلهم، حيث اتجه مزارعو المنطقة إلى البدء بزراعة الخضار الصيفية لتعويض الخسائر التي تكبدوها في زراعة القمح والشعير، وتغطية احتياجات الأسواق المحلية في المنطقة وبأسعار مناسبة مما سيؤدي إلى التقليل ما أمكن من استيراد الخضار من الخارج. فيما أعلن مجلس الاقتصاد والزراعة في إقليم شمال وشرق سوريا ضمن اجتماع له بخصوص تنفيذ الآليات اللازمة لتحفيز المزارعين على زراعة الخضار وتقديم ما يمكن من الدعم لهم وخاصة تقديم مادتي المازوت والسماد بأسعار مدعومة. وبخصوص الاستجابة لصعوبة تأمين مادة المازوت لتشغيل مجموعات الضخ لري المحاصيل، بات الكثير من المزارعين في شمال شرق سوريا يعتمدون على الطاقة الشمسية في تشغيل المحركات ومضخات المياه لسقاية مزروعاتهم، الأمر الذي يساهم في المدى البعيد في انخفاض تكاليف إنتاجهم وزيادة في الكميات المنتجة الأمر الذي سيعود بالنفع على المزارعين وزيادة مردودهم المالي وتحسين واقع القطاع الزراعي.

ووفقاً للخبراء، يتعين اعتماد مجموعة من الاجراءات لمواجهة مشكلة شح المياه خلال السنوات القادمة، مثل زراعة الأشجار وتخزين مياه الأمطار، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، والاستفادة من التقنيات الحديثة في الزراعة والري، وتقليص زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المرتفع للمياه، وتعزيز استخدام الموارد المتاحة، ودعم أنظمة الطاقة الشمسية التي تستخدم في المشاريع الزراعية…

نورث بالس

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.