NORTH PULSE NETWORK NPN

دمشق على رصيف الهاوية

 

بقلم: مهدي صادق أمين

سورية 2025 لا تُرى في الخارطة بل في المشرحة. من يتحدّث عن الهوية البصرية لسورية، عليه أولاً أن يفتح عينيه جيداً، ثم أن يغمضهما إلى الأبد كي لا يرى الفضيحة. سورية اليوم ليست جمهورية، ولا طائفية، ولا حتى كاريكاتور دولة… بل مقبرة حُفرَت بخط النسخ، ووشِّحت بشعار حديث.

يقولون “شعار الدولة الجديد”.

ونقول: الدولة تغيّرت منذ أن بدأنا نعدّ ضحايانا بدل أحلامنا.

أحفاد الجهل… حين يرتدّ الماضي كرصاصة في صدر الحاضر

الرجعية الدينية في سورية لا تحكم… بل تحاصر. لا تبني دولة… بل تنقّب عن أطلال دولة كي تهدمها أكثر.

تحوّلت الجماعات التي لا تقرأ إلا سطور الفتنة، ولا تحفظ من الدين إلا سوطه، إلى ناطق رسمي باسم كل شيء: باسم الله، وباسم الدولة، وباسم الناس الذين لا يعرفون من يمثلهم أصلاً. من حلب إلى حمص، من دوما إلى الساحل الأحمر، صار الجهل دينًا، والنفاق طهارة.

ومن منصة هيئة تحرير الشام إلى دوائر القرار، لا أحد يُخفي بعد الآن وجهه الحقيقي: لقد أصبحنا رهائن حفنة من دُعاة العصور الوسطى بربطات عنق حديثة وأحذية إيطالية.

الهوية البصرية… على جدران مهترئة

يريدون تجميل الشعار، ونحن نريد تجميل الواقع. يريدون تغيير الألوان، ونحن نُذبح بالأبيض والأسود.

يريدون أن نحتفل بالشكل الجديد للعلم، بينما لا أحد يستطيع أن يرفع رأسه في الشارع دون أن يُسأل: “مع مَن؟ وضد مَن؟”

هذا الشعار الجديد؟

لا يُمثّلنا.

لأنه كُتب بحبر أجهزة الأمن، وصُمّم في ورشات البروباغندا، وخرج من بطون اجتماعات لا تُشبه وجوهنا ولا جراحنا.

مسرحية الشريعة… بمخرج أمني

السلطة تقول إن هيئة تحرير الشام ليست في الحكم، لكننا نعرف أن الهزيمة لا تحتاج إلى بطاقة تعريف.

فكل خطوة إلى الوراء… كل حجاب مفروض… كل لافتة دينية بلا معنى… كل عفو مزيف…كل ذلك يقول لنا: نحن نعيش في دولةٍ لا يحكمها القانون، بل تُدار بكتابٍ نُزعت روحه ووُضعت مكانه سكين.

هكذا يُصادر العقل.

هكذا يُغتال الفن.

هكذا يُحاكم الشعر.

صوت المرأة: ممنوع من العرض

في بلادٍ تحكمها اللحية والنفاق، لا صوت يعلو فوق صوت الوصاية.

المرأة إما محجوبة أو محكومة.

إما أم شهيد، أو “فتنة”.

لا حرية، لا خيارات، لا جسد لها إلا في خطبة الجمعة، ولا عقل لها إلا حين يتحدث أحدهم عن “أخلاق المجتمع”.

أي مجتمع؟

ذاك الذي يخاف من ظلّ امرأة؟

ذاك الذي يُطلق الرصاص على فستان ويبارك الزنا مع السلاح؟

الداخل السوري: خريطة من الجحيم

في الساحل، لم يبقَ إلا الأمهات… ينتظرن… يحتسبن…

في حمص، المدارس أقفلت… وفتحت بدلها معسكرات للانضباط العقائدي.

في حلب، بات الخوف هو العملة الوحيدة المقبولة.

أما دمشق، فتمشي على رؤوسها.

مدينة تقرأ الكتب بالمقلوب، وتمنع التماثيل، وتوزّع شهادات الشرف على سكاكين المرحلة.

المثقف السوري… آخر الناجين من المحرقة

المثقف في سورية اليوم كالعصفور في قفص مُذهّب. إما أن يكتب مراثي النظام، أو يُدرج اسمه في قوائم الانتظار: انتظار الطرد، أو المنع، أو الرصاصة الطائشة.

لا نقد، لا حرية تعبير، لا صحافة حرة.

بل مهرجانات تمثيل، وصفحات فيسبوك مموّلة، وكُتاب يرتدون عمائم أو بزّات حسب حالة الطقس السياسي.

إلى مجلس الأمن: هل ما زلتم تملكون آذاناً؟

أيها العالم،

هذه ليست أزمة شعار.

ولا مجرد هوية بصرية.

بل جريمة بصرية، سمعية، ذهنية، ووجودية. سورية اليوم ليست بخير.

ولا غداً سيكون بخير إذا بقي الأمر على هذا الحال.

إذا كانت هيئة تحرير الشام مجرّد تنظيم، أعلن نهايته.

فمن يقود وزاراتنا؟

ومن يقرّر؟

ومن يختار المناهج الدراسية، ويمنع الفنون، ويزرع الخوف في نشيد الصباح؟

نكتب إليكم لا بورق فاخر بل بدخان من بيوت محروقة، نكتب إليكم من خلف قضبان العقل، ونقول:

أنقذوا سورية… أو على الأقل، صدّقوا أنها تحتضر.

خاتمة: موت بلا أناشيد وطنية

الهوية الحقيقية لسورية ليست شعاراً جديداً، ولا علماً بثلاث نجوم.هي صورة الطفل الذي ينام على رصيف الجوع. هي صراخ المرأة اختطفها أبو جهل. هي جسد الصحفي في سجون الهيئة. هي غياب الأمل، وسرقة اللغة، وتكميم القصيدة.

الهوية الحقيقية لسورية… هي ما نخسره كل يوم.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.