السياسة الإقصـ.ـائية لسـ.ـلطة دمشق تدفع السوريين إلى تشكيل أقاليم وإدارات ذاتية 

أثار إعلان سلطة دمشق عن قانون انتخابات مجلس الشعب بشكل أحادي، واستبعاد 3 محافظات منها ومنح رئيس السلطة صلاحية اختيار ثلث أعضاء المجلس بشكل مباشر، الكثير من التساؤلات حول مستقبل البلاد، وتسبب السياسة الإقصائي للسلطة في دمشق للمرجعيات الوطنية السورية الأمر الذي وضع البلاد أمام مفترق طرق: أما سلطة شمولية وإعادة تدير النظام السابق بصبغة دينية أو تقسيم البلاد وفقاً لما يؤكده خبراء في السياسة الدولية، ووصفت الإدارة الذاتية في بيان يوم الأحد، انتخابات مجلس الشعب التي ستجريها السلطة بأنها «ليست ديمقراطية ولا تعبر عن إرادة السوريين بأي شكل من الأشكال، ولا تمثل سوى استمرار لنهج التهميش والإقصاء»، داعية المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى عدم الاعتراف بهذه الانتخابات «التي تناقض القرار 2254». وفي الوقت الذي تعمل فيه السياسة الداخلية لسلطة دمشق على زيادة الصدوع في الجغرافيا السوريا تعمل المرجعيات الوطنية السورية في إقليم شمال وشرق سوريا والساحل والجنوب السوري على إنقاذ البلاد من التمزق من خلال طرح حلولاً توافقية تستند إلى اللامركزية السياسية. وفي سبيل الدفاع عن مجتمعاتها تتجه النخب السياسية والاجتماعية في الساحل والجنوب السوري إلى تشكيل أقاليم سياسية تتمتع بنوع من الإدارة الذاتية وبقوات عسكرية لحماية حدودها، وأظهرت التطورات السياسية في المشهد السوري بوادر تشكيل إقليمين جديدين بالإضافة إلى إقليم شمال وشرق سوريا، ويبدو أن فشل سلطة دمشق في تأسيس مظلة وطنية تجمع السوريين تحتها دفع بالمبعوث الأمريكي إلى سوريا “توماس باراك” إلى دعوة سلطة دمشق إلى التوجه لنظام حكم بديل عن «دولة شديدة المركزية»، موضحاً أنه لا يتحدث عن فيدرالية بل عن «شيء أقل من ذلك» يسمح للجميع بالاحتفاظ بوجودهم وثقافتهم، وذلك في حديث لصحفيين وفقاً لما نقلته صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكية.

■ محافظة السويداء تتحول إلى إقليم سياسي

تتجه محافظة السويداء نحو التحول إلى إقليم سياسي نتيجة لمجموعة من التطورات السياسية والأمنية التي شهدتها خلال الشهرين الأخيرين، حيث انسحبت قوات سلطة دمشق من محافظة السويداء استجابة لضغوط دولية وإسرائيلية وأعلنت النخب الدينية والاجتماعية والسياسية عن تشكل ما يشبه هيئات إدارة ذاتية لإدارة الشؤون الخدمية والأمنية والاقتصادية فيها وتم الاعلان عن تشكيل “الحرس الوطني” وانضمام كافة الفصائل الدرزية إليها باعتباره «المؤسسة العسكرية الرسمية الممثلة للطائفة الدرزية» وقال جواد التميمي (الباحث في منتدى الشرق الأوسط) في هذا السياق إن هذه الخطوة “توطد لتشكيل قوة دفاعية منظمة تحمي منطقته” وأشار إلى أنها “خطوة استراتيجية تعكس تعميق الحقائق على أرض الواقع وتحولا نحو الحكم المحلي”. وتأتي هذه التطورات وسط ضغط إسرائيلي كبير لتحويل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح وتحت هيمنتها.

وبالتوازي مع جهود دروز إسرائيل فتح ممر إنساني باتجاه السويداء لكسر الحصار المفروض عليها من قوات سلطة دمشق وميليشياتها، كشف ياسين شريف الحجيمي، القائم بالأعمال المؤقت في سفارة جمهورية العراق بدمشق، ، أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد افتتاح منفذ الوليد الحدودي العراقي مع منفذ التنف السوري، بهدف تعزيز الحركة التجارية بين البلدين، وفي تصريح لقناة رووداو يوم الأربعاء أشار الحجيمي إلى أن “الأيام القادمة ستشهد افتتاح هذا المنفذ”. مؤكداً أن المنفذ “سيتم استخدامه لأغراض الإعمار والتجارة وتطوير التصدير والاستيراد للعراق، كما يعتبر نصراً أمنياً لأن الوضع الأمني في هذه المنطقة كان سيئاً”. ويرى مراقبون إن افتتاح هذا المنفذ من شأنه تفعيل الطريق المؤدي إلى السويداء بفعالية أكبر وتحت حماية قوات التحالف الدولي المتواجدة في المنطقة ما يعني تطور العلاقات بين قوات السويداء والتحالف وكسر الحصار

المفروض على المحافظة. ما يعني توفر مقومات تحولها إلى إقليم يتمتع بإدارة ذاتية.

■ محاولات تشكيل إقليم الساحل السوري

أصدر المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا بيانًا دعا فيه إلى تشكيل “إقليم وسط وغرب سوريا”، والذي يضم محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وأجزاء من ريف حماة. وطالب البيان باعتماد النظام الفدرالي كصيغة حكم تضمن السلام الأهلي، العدالة بين الأقاليم، والمشاركة الفاعلة للمواطنين في إدارة شؤونهم، معتبراً أن الفدرالية تمثل الحل المستدام للنزاعات الداخلية التي عجزت الدولة المركزية عن معالجتها تاريخياً. وشدد البيان على أن النظام الاتحادي الفدرالي هو الصيغة الأمثل لبناء دولة مدنية ديمقراطية مستقرة، قادرة على صون حقوق مواطنيها وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة. وأكد المجلس على ضرورة الالتزام الكامل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بما في ذلك الجدول الزمني المحدد لتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، ووضع دستور مدني علماني، مع التأكيد على بنوده وإجراء التعديلات اللازمة عند الحاجة. ودعا المجلس إلى عقد مؤتمر وطني جديد تحت إشراف الأمم المتحدة، مع رفضه لما وصفه بـ “حكومة اللون الواحد” التي شكلتها سلطة الأمر الواقع على أسس دينية إقصائية. وشدد البيان على رفض الاستيلاء على السلطة من قبل ما وصفه بـ “سلطة إرهابية”، مطالباً بخروج جميع الفصائل المصنفة إرهابية من سوريا. كما طالب بالإفراج عن جميع المعتقلين قسراً والمختطفين، المدنيين والعسكريين على حد سواء. وأكد المجلس على الطبيعة المدنية العلمانية لإقليم وسط وغرب سوريا، الذي يقوم على مبادئ المواطنة والعدالة والتنوع العرقي والقومي، مع الالتزام بمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان. واعتبر مراقبون إن هذه الخطوة جاءت متأخرة نسبياً بعد مرور أكثر من 5 أشهر على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق أبناء الطوائف المرشدية والعلوية والشيعية في المنطقة. واختتم المجلس بيانه بالتأكيد على نيته التعاون مع باقي مكونات المنطقة في الخطوات السياسية القادمة.

■ إقليم شمال وشرق سوريا يتلقى المزيد من الدعم

يستمر الدعم الذي تتلقاه قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية من قبل عدد من الدول القوية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي تعمل بمعية التحالف الدولي على زيادة حضورها العسكري في إقليم شمال وشرق سوريا مع بدء الإنسحاب التدريجي من العراق. وفي هذا السياق أفاد توم كميك (نائب رئيس مجلس العموم الكندي، الأربعاء، إن “بلاده تشترط على الحكومة السورية الانتقالية في دمشق الاعتراف بالإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا وبحقوق الكرد أولاً ليتم الاعتراف بها ورفع العقوبات عنها من (أوتاوا)”. وقال في حديث لقناة “روداو” إنه يتعين “على الحكومة الانتقالية في دمشق التوصل إلى نوع من التسوية إذا كانوا يتوقعون رفع العقوبات الغربية، لا سيما من دول مثل كندا، التي لم تعترف بعد بالحكومة السورية الجديدة”، وأضاف “إذا أرادت الحكومة في دمشق نيل الاعتراف وإنهاء العقوبات، لابد من تأسيس دولة محايدة وشاملة تعطي الاعتراف الفعلي للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا كسلطة تدير شؤون المنطقة”. وأشار كيمك إلى أن الدستور الجديد يجب أن يشمل جميع السوريين، وعدم اقتصاره على الحفاظ على الهياكل القديمة أو اسم الدولة ذاته. وكشف مؤتمر “وحدة المكونات في إقليم شمال وشرق سوريا” مشاركة مرجعيات دينية ريئيسية شيخ العلويين، غزال غزال، وشيخ الدروز حكمت الهجري بالإضافة إلى العشرات من المسؤولين، عن فقدان السوريين الثقة بسلط دمشق وأكدوا خلال الاجتماع على ضرورة وقف سلطة دمشق الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون وطالبوا بتطبيق اللامركزية في سوريا…

نورث بالس