لا تزال التهديدات والاعتداءات من قبل فصائل محلية تابعة لسلطة دمشق تطال المواطنين من أبناء الطائفة العلوية في حي “السومرية” بدمشق والذي يعد من الأحياء الفقيرة في العاصمة، وسط غياب تام لسلطة القانون والعدالة الانتقالية، خاصة أن معظم تلك التهديدات تستند إلى مزاعم “أمنية” هدفها إجبار العائلات العلوية الفقيرة في المنطقة إلى الهجرة قسراً عن منازلهم، في خطوة فسرها ناشطون على أنها «إجراءات طائفية تستهدف التغيير الديموغرافي للمناطق ذات الغالبية العلوية» وهو ما يندرج في إطار «جرائم ضدّ الإنسانية وانتهاك للاتفاقيات الدولية» وفقاً لما يؤكده ناشطون حقوقيون.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه منذ 8 تموز 2025، أمهل ما يسمى “الأمير” المسؤول الأمني عن حي السومرية التي تسكنها غالبية من الطائفة العلوية، حوالي 300 عائلة مهلة قصيرة 48‑72 ساعة لمغادرة منازلهم وذلك بمطالبات شفهيّة وكتابية بالإخلاء، دون السماح لهم بأخذ أغراضهم أو ضمان بدائل سكنية أو مهل منطقية. وقال المرصد السوري أن الهدف من تلك المطالبات هو «لتفريغ الحي من المكون العلوي وإعادة توطين آخرين مكانهم». وذكر المرصد أن مواقف الأسر المستهدفة تراوحت بين الذعر والاستعداد للمقاومة، خصوصاً مع إغلاق المداخل من قبل عناصر أمن غير معروفين. وفي 27 آب 2025 اقتحم فصيل مسلّح بالسيوف ينحدر من منطقة المعضمية حي السومرية، مهدداً أهالي الحي واعتقال شابين من السكان وتمزيق وثائق ملكية للسكان، في خطوة تم تفسيرها على أنه بداية لتنفيذ التهديدات ضد أهالي الحي الذي شهد إجراءات أمنية مشدّدة واعتداءات مباشرة منها إطلاق رصاص عشوائي وترديد شعارات طائفية، بالإضافة لضغوط مرّكزة على السكان شملت إغلاق معظم مداخل الحي، وفرض حصار مرهق طاول السكان المدنيين، مع منع توريد المواد الغذائية والخدمات الأساسية. كما تم منع فتح المحال التجارية ومنع حركة الأهالي حتى داخل المنازل.
وأكدت مصادر محلية على تصاعد التوتر داخل الحي مع اشتداد الحصار الخانق عليه وتدهور الخدمات (كهرباء، مياه، جمع نفايات) والمضايقات الطائفية المباشرة من قبل الأمن العام والمسلحين الموالين له، وبتاريخ 28 آب 2025، بلغ التصعيد ذروته مع اقتحامات متكررة، وتنفيذ اعتداءات على النساء والأطفال بالضرب، وتكسير المحال، وإجبار العديد من السكان على مغادرة منازلهم بدعم من الأمن العام الذي أقدم على تنفيذ عمليات اعتقالات تعسفية واستخدام للعنف، بالتوازي مع اقتحام المجموعات المسلحة للمنازل بالسيوف، والضرب والترهيب بالعنف الطائفي. وفي سياق متصل تداول ناشطون صور ومشاهد تُظهر وضع شعارات طائفية ورموز تمييزية مثل علامات “X” و“O” على أبواب المنازل والجدران، وهو ما اعتبره ناشطون حقوقيون تأكيد على أن التهجير بات يأخذ طابعاً ديموغرافيا موّجهاً، يستهدف العلويين تحديداً ويرتكز على الترهيب والترويع، حيث تم إبلاغ أحد سكان الحي بأنهم «لن يبقوا في الحي حتى الشتاء» كما تم إجبار آخرين على الإدلاء بشهادات مسجلة في مقاطع فيديو تتعهد بالمغادرة خلال 72 ساعة، بالإضافة إلى توثيق حالات سرقة ونهب المنازل، وتمزيق صكوك الملكية ومصادرة الوثائق الرسمية المستحصلة من محافظة دمشق، والتي تثبت ملكية السكان، وذلك لنزع الحق القانوني من الأهالي، في تهديد واضح للتهجير والترحيل القسري، علماً أن السكان أكدوا أن بعض العقارات ملك خاص لموظفين متقاعدين، وليست أملاكاً للدولة، ويؤكد الأهالي رفضهم القاطع للتهجير عبر مقاطع موثّقة قائلين «هذه المنازل ملكنا منذ عشرات السنين، ولن نغادرها حتى تحت تهديد السلاح» مطالبين بتدخل وزارة الداخلية لحمايتهم وإنهاء الانتهاكات.
وتؤكد التقارير الحقوقية على أن حملة التهجير التي تستهدف حي السومرية تشكل حافزاً لخلخلة التركيبة العلوية في دمشق، ضمن محاولات تغيير ديموغرافي ممنهج، حيث انعكست تلك الأحداث سكان أحياء أخرى (مثل المزة وغيرها) بقلق من انتقال سياسة التهجير إلى مناطقهم. وبخصوص المواقف الدولية والسياسية من هذه الانتهاكات، عبّرت الأمم المتحدة عن قلقها العميق حيال ما يحصل في حي السومرية، ودعت سلطة دمشق إلى ضبط النفس والالتزام بحماية المدنيين وفق معايير حقوق الإنسان وسيادة القانون، كما وعبر الأمين العام للأمم المتحدة عن “قلقه العميق تجاه عمليات الإخلاء القسري هذه” داعياً سلطة دمشق إلى ضبط النفس وحماية المدنيين وفق القانون الدولي. من جانبه أصدر “المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا” بياناً وصف فيه هذه الإجراءات بأنها «تهجير قسري ممنهج»، يرقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية بموجب المادة 7 البند (د) من نظام روما الأساسي. كما أدان “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر” ما يجري، واعتبره استهدافاً طائفياً يهدف لتهجير العلويين، محمّلاً سلطة دمشق المسؤولية القانونية والأخلاقية عن حياة أبناء الطائفة العلوية. ووفقاً لحقوقيين يندرج «استهداف جماعة على أساس طائفي» ضمن جرائم الإبادة الجماعية وفق المادة 6 البندين (ب،ج) نفسها. كذلك، تشكّل هذه الأفعال خرقًا لاتفاقية جنيف الرابعة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
وفي محالة لامتصاص الاحتقان الشعبي والتنديد الدولي والتوتر الأمني، أصدرت وزارتي الدفاع والداخلية قراراً يوقف عمليات الإخلاء ويسمح للسكان بالبقاء والعودة لمن غادر منهم، حيث رد المختار بالمناطق بتقديم الشكر لمحافظ دمشق وقوات الأمن، مع تحميل «عناصر غير منضبطة» مسؤولية التجاوزات، بالتوازي مع وساطات محلية من لجان الحي واللجنة العليا للسلم الأهلي، وتفسير ما حدث في سياق وجود خلافات عقارية حول الملكية في بعض الحالات. إلا أن إعلاميين وناشطين حقوقيين ومصادر محلية اعتبرت هذه الإجراءات «تأجيلًا مؤقتًا لتنفيذ الإخلاء»، وسط تحذيرات من حملات إعلامية تهدف إلى «تزييف الحقائق».
يؤكد مراقبون أن ما جرى في السومرية يمثل مثالًا صارخًا على أسلوب ممنهج من التهجير يستخدم وسائل وسلوكيات متكاملة من اعتداءات، ورَسم علامات، وتدمير الوثائق، وسرقة الممتلكات وترهيب السكان ما يوحي بسياسة ممنهجة تستهدف تغييب السكان وتهجيرهم بالقوّة. وفي الوقت نفسه أظهر تدخل الجهات الرسمية التابعة لسلطة دمشق لاحقًا لوقف الإخلاء، التباين بين الإجراءات الفعلية والوعود بالقانون، كما ويُظهر ضغط المجتمعات المحلية والضّغط الإعلامي أنه يمكن أن يُحدّ من تجاوزات المؤسسات الأمنية. ويرى مراقبون إن ما حدث في “السومرية” لم يكن مجرد نزاع على عقار، بل تطوّر إلى صراع يشمل الأمن والمجتمع والحقوق الإنسانية، مع رفض واضح من السكان وسط جدل قانوني محلي ودولي يطالب بوقف التهجير القسري فوراً. هذه الأفعال تركت أثرًا خطيراً على السكان وفتحت الباب أمام قضايا حقوقية وإنسانية عاجلة وخاصة أنه لا ضمان على وعود الحكومة التي سارعت لحل هذه القضية إعلامياً فقط كون الأهالي مازالوا يجبرو على مغادرة منازلهم حتى هذه اللحظة..
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.