NORTH PULSE NETWORK NPN

مقاطعة الجزيرة.. مـ.ـتحف مفـ.ـتوح على التاريخ يضم أكثـ.ـر من ألف مـ.ـوقع أثـ.ـري

تختزن مقاطعة الجزيرة في شمال وشرق سوريا واحداً من أغنى الإرث الحضاري في المنطقة، حيث تضم أكثر من ألف موقع أثري تعود جذورها إلى آلاف السنين، لتروي فصولاً متعاقبة من تاريخ الإنسانية، وسط جهود مستمرة لتوثيقها وحمايتها من الاندثار.
ووفق معطيات مديرية الآثار في المقاطعة، يبلغ عدد المواقع الأثرية المسجّلة نحو 1043 موقعاً، معظمها تلال أثرية، إضافة إلى أكثر من 100 خربة، ما يرفع العدد الإجمالي إلى نحو 1150 موقعاً موزعاً على مختلف مناطق الجزيرة، التي شكّلت عبر العصور مركزاً حضارياً مهماً في وادي الخابور وميزوبوتاميا العليا.
وتبرز بين هذه المواقع تلال تاريخية ذات أهمية استثنائية، من بينها تل ليلان، وتل موزان، وتل طرطب، حيث يحمل كل موقع منها شواهد مادية على حضارات ازدهرت منذ العصور الحجرية وصولاً إلى بدايات التاريخ المدوّن.
ويُعدّ تل ليلان، الواقع جنوب غرب مدينة تربه سبيه، من أقدم المواقع الأثرية في المنطقة، إذ تعود أقدم طبقاته إلى منتصف الألف السادس قبل الميلاد، وقد كشفت التنقيبات فيه عن معالم إدارية ودينية تؤكد مكانته كمركز حضاري مبكر في المنطقة.
أما تل موزان، المعروف تاريخياً باسم “أوركيش”، فيقع شمال مدينة عامودا، ويُعدّ عاصمة الحوريين في الألف الثالث قبل الميلاد، حيث أظهرت التنقيبات الأثرية قصوراً ملكية ومعابد وكتابات مسمارية تسلط الضوء على تطور التنظيم السياسي والحضاري في شمال ميزوبوتاميا.
في المقابل، يُعدّ تل طرطب من المواقع التي تعرضت لأضرار كبيرة نتيجة تحويله سابقاً إلى موقع عسكري، ما ألحق أذى بالطبقات الأثرية، وتعمل الجهات المختصة حالياً على إعداد مشاريع لترميمه وحمايته من المزيد من التدهور.
وتواصل مديرية الآثار تنفيذ برامج توثيق شاملة للأضرار، إلى جانب حفظ آلاف القطع الأثرية المكتشفة، حيث تم جمع وحفظ نحو 7200 قطعة في مستودعات خاصة، بالتوازي مع مشروع تأهيل متحف الحسكة لعرض ما بين 2000 و2500 قطعة بعد ترميمها.
ورغم هذه الجهود، تواجه المديرية تحديات كبيرة، أبرزها النقص الحاد في عدد الحراس والمراقبين، إذ لا يتجاوز عددهم 33 مراقباً لمتابعة أكثر من ألف موقع أثري، ما يضع عبئاً كبيراً على عمليات الحماية والمراقبة.
وتؤكد المديرية أن الوعي المجتمعي يشكّل الركيزة الأساسية في حماية هذا الإرث، من خلال إشراك الأهالي وطلاب المدارس والمجالس المحلية في برامج التوعية، وترسيخ ثقافة الحفاظ على التراث بوصفه جزءاً من الهوية التاريخية للمنطقة.
وتبقى مقاطعة الجزيرة، بما تختزنه من شواهد حضارية تمتد لآلاف السنين، شاهداً حياً على تعاقب الحضارات الإنسانية، فيما تمثل جهود الحماية والترميم أملاً للحفاظ على ذاكرة المكان ونقلها إلى الأجيال القادمة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.