NORTH PULSE NETWORK NPN

“التركي يطلع برّا”… هل تغيّر المزاج الشّعبي في المناطق المحتلة شمال سوريا؟

نورث بالس

تشهد مناطق الاحتلال التركي في شمال سوريا، درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، حوادث متصاعدة حيث الفلتان الأمني والاحتجاجات الشعبية والاقتتال الفصائلي والعشائري، بالتزامن مع استمرار تركيا بالتلويح بشن عملية عسكرية ضد “قوات سوريا الديموقراطية”، الأمر الذي بات يثير تساؤلات كبيرة لجهة قدرة أنقرة على ضبط الأوضاع في مناطق نفوذها، بما يتيح لها تنفيذ مغامرتها العسكرية الرابعة، وعمّا إذا كان ثمة جهات محلية وخارجية تعمل على التشويش على مشروعها المتمثل في إقامة منطقة آمنة لإيواء مليون لاجئ سوري، من المفترض أن يعودوا من تركيا تنفيذاً للمشروع الذي طرحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ومثلت التظاهرات الشعبية العارمة ضد شركة الكهرباء السورية – التركية AK energy التي تمد منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون بالكهرباء، في إطار سياسة التتريك التي تتبعها أنقرة للسيطرة على القطاع الاقتصادي في مناطق نفوذها، ذروة الغضب الشعبي إزاء ممارسات السلطات الإدارية والاقتصادية التابعة لقوات الاحتلال التركي في تلك المناطق. فقد خرج آلاف المتظاهرين في مدن الباب وعفرين وإعزاز للاحتجاج على غلاء أسعار الكهرباء والفساد المستشري في شركة الكهرباء.

وتخلل التظاهرات إطلاق رصاص ضد المتظاهرين، ما أسفر عن سقوط إصابات عديدة في مناسبة تكاد تكون الأولى من نوعها في تلك المنطقة، بعد ما كان يجري التعامل مع الاحتجاجات الشعبية بنوع من الاحتواء المشوب باستخدام القوة الناعمة.

وكان من الواضح أن نمط العلاقة بين القوات التركية والقوات الموالية لها ممثلة بفصائل “الجيش الوطني” السوري، والمواطنين، قد تعرض لشرخ واسع لن يكون من السهل ترميمه أو احتواء آثاره البعيدة. وتمثل ذلك بأمرين أساسيين: الأول توجيه شركة الكهرباء السورية – التركية تهمة الإرهاب إلى المتظاهرين، لا سيما بعدما أقدمت جموع غاضبة منهم على إحراق مقار شركة الكهرباء في عدد من مناطق الاحتلال التركي كما في إعزاز وعفرين ومارع وجنديرس، وهذه التهمة تثير في الذاكرة الجمعية لهؤلاء المتظاهرين مواجع وآلاماً تتضمنها سردية المعارضة السورية في رواية اندلاع الأزمة السورية عام 2011، حيث كانت تهمة الإرهاب والخيانة حاضرة كسلاح إعلامي وقانوني في المواجهة بين قوات الأمن السورية والتظاهرات الأولى.

ويتمثل الأمر الثاني في انحراف شعارات التظاهرات الأخيرة التي خرجت في درع الفرات وغصن الزيتون للاحتجاج على واقع الكهرباء المتردي في تلك المناطق، من رفع مطالب خدمية بحتة والمطالبة بتخفيض أسعار الكهرباء واستقرارها وتحسين خدماتها، إلى رفع شعارات سياسية لم تُطرح في السابق، حيث وثّق مقطع فيديو هتاف بعض الجموع الغاضبة بشعار “سوريا حرة حرة التركي يطلع برا”، في إشارة إلى القوات التركية التي تحتل تلك المناطق. وهذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها مثل هذا الهتاف الغاضب ضد القوات التركية والمطالبة بخروجها من سوريا، بعدما كان المزاج الشعبي في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون ينظر إلى القوات التركية على أنها الحامي للثورة السورية وضمان استمرارها حتى حصولها على مطالبها السياسية في إسقاط النظام السوري.

ويرى بعض المراقبين أن جرأة المتظاهرين في طرح هذا الشعار، والمطالبة علناً بإخراج القوات التركية، من شأنه أن يفسّر تهمة الإرهاب التي وجهتها شركة الكهرباء للمتظاهرين، والرد القاسي الذي ورد في بيانها حول إحراق مقارها في بعض المناطق، إذ إن الغاية الرئيسية من ذلك هي محاولة تطويق تداعيات الشعار والعمل على منعه من إحداث أي تغييرات جوهرية في طبيعة العلاقة بين قوات الاحتلال التركية والمواطنين، بحيث تبقى هذه العلاقة ضمن إطار التبعية المطلقة وسلب الإرادة السياسية.

وكان من اللافت أن تحاول بعض الجهات نسبة رفع شعار إخراج القوات التركية إلى فصائل تنتمي إلى الفيلق الثالث الذي يواجه محاولة انشقاق في صفوفه من قبل الفرقة 32، القطاع الشرقي لـ”حركة أحرار الشام”، حيث ما زالت جهود احتواء محاولة الانشقاق تواجه عقبات تحول دون عودة اللحمة إلى الفيلق الذي تقوده “الجبهة الشامية” وتشوب علاقته بأنقرة منغصات تتمظهر في بعض المنعطفات، مثل تجنيد السوريين للقتال في الخارج.

وبينما يقود الفيلق الثالث “غرفة عمليات عزم”، تعمل هيئة “ثائرون” التي تضم فصائل منافسة للفيلق الثالث ولكنها منضوية في الغرفة ذاتها، على تعزيز علاقتها القوية أصلاً بقوات الاحتلال التركي، وذلك من خلال طرح نفسها بمثابة الذراع العسكرية التي تستعد لخوض غمار العملية التي يهدد أردوغان بشنها ضد “قوات سوريا الديموقراطية”، انطلاقاً من تل رفعت ونبج، بحسب تصريحات الأخير لوسائل الإعلام.

وقد نوّه حسام طرشة، وهو قيادي سابق في “الجيش السوري الحر” ومقرب من بعض الفصائل المسلحة، إلى ذلك من خلال إشارته إلى أن “هناك فصائل تريد أن تثبّت وتعيد ترتيب نفسها ليكون لها انتشار أكبر بالتزامن مع العملية المرتقبة، ولذلك بدأت بعض الجهات الباحثة عن المزيد من السيطرة والهيمنة بتحركات ولو على حساب مصلحة الثورة فقط حتى تؤمن لها أثراً أكبرَ وسلطة أكبر بعد العملية التركية المرتقبة”.

وأضاف طرشة في منشور على موقع تلغرام أن “ما حصل من حرقٍ لشركة الكهرباء والمجلس المحلّي في عفرين، هو النتيجة، وما يتحدث عنه الجميع من أن الفصائل مشرذمة وعن وجود الفساد في المجالس المحلّية هو الظاهرة، وليس كل ما سبق هو السبب ولا المرض الذي أدى لهذه المظاهر وهذه النتيجة”.

وتابع: “بوادر الاقتتال بين المكوّنات العسكرية، وصولاً إلى حادثة الحرق، لا تنفصل أبداً عن التحركات التي قد تحصل في المنطقة في المستقبل القريب. كمسألة ابتداء عمليات عسكرية جديدة متوقعة لتركيا في مناطق البي كي كي”، وذلك قبل أن يطالب بالبحث عما دفع شركة الكهرباء لإصدار “بيانها الخبيث” الذي وصف الناس بالإرهابيين، فهو طرف خيط يوصل إلى من يقف وراء عملية الحرق. فالتظاهرات في الشمال معروفة وكثيرة ولم تصل قط إلى مرحلة تخريب مرافق خدمات”، وفق تعبيره.

المصدر: صحيفة النهار

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.