الـ.ـتحالفات الكردية الجديدة… بحث عن توازن في وجه التهديدات التركية
في ظل تصاعد التهديدات التركية ضد مناطق شمال وشرق سوريا، باتت القوى الكردية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تتحرك دبلوماسيًا لبناء تحالفات إقليمية ودولية جديدة تضمن الحد الأدنى من التوازن في مواجهة السياسات العدوانية لأنقرة، وتُعيد رسم ملامح المشهد السياسي في سوريا وفق مقاربة أكثر استقرارًا وعدالة.
منذ أشهر، تتحدث الأوساط السياسية عن مشاورات غير معلنة بين ممثلين عن الإدارة الذاتية وعدد من الدول العربية والغربية، وفي مقدمتها مصر، الإمارات، والولايات المتحدة. وتهدف هذه اللقاءات إلى تطوير شراكات سياسية واقتصادية وأمنية، تُمكّن الإدارة الذاتية من تثبيت حضورها كقوة محلية شرعية ضمن أي تسوية سورية مستقبلية.
تأتي هذه التحركات بعد إدراك الأطراف الكردية أن التهديدات التركية لم تعد ظرفية أو محدودة، بل تشكل سياسة دائمة تسعى من خلالها أنقرة إلى القضاء على أي تجربة ديمقراطية في شمال سوريا، عبر شن عمليات عسكرية متكررة واستهداف البنية التحتية ومراكز الخدمات الحيوية، إضافة إلى محاولات خلق شرخ داخلي بين المكونات.
ورغم الضغوط الميدانية والعسكرية، تُصرّ الإدارة الذاتية على أن الحل السياسي الشامل هو الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، وأن أي مشروع يقصي المكوّن الكردي أو يهمّش دور الإدارة الذاتية محكوم عليه بالفشل. ولهذا، تعمل الإدارة على تعزيز حضورها السياسي الخارجي، مستندة إلى تحالفها مع التحالف الدولي ضد “داعش” وإلى تجربة ميدانية متقدمة في الإدارة المدنية والأمنية.
من جانب آخر، تُظهر مصر والإمارات انفتاحًا متزايدًا تجاه الملف الكردي، انطلاقًا من قناعة بضرورة تحقيق توازن في شمال سوريا يمنع التمدد التركي ويحد من النفوذ الإيراني. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن القاهرة وأبوظبي تُجريان مشاورات متقدمة مع شخصيات كردية بارزة بهدف دعم مسار الحوار السوري–السوري تحت مظلة وطنية جامعة.
أما الولايات المتحدة، فترى في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شريكًا استراتيجيًا في مكافحة الإرهاب، وتدرك أن أي تراجع في دورها سيخلق فراغًا أمنيًا خطيرًا. ولذلك، تواصل واشنطن جهودها للحفاظ على الاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية، ومنع أي عملية عسكرية تركية جديدة قد تُفشل الجهود الدولية لمكافحة “داعش”.
رغم ذلك، تواجه القوى الكردية تحديات معقدة في بناء تحالفاتها الجديدة، أبرزها التباين في مواقف القوى الدولية من الوجود التركي في سوريا، وتردد بعض العواصم في اتخاذ موقف واضح تجاه الاعتداءات التركية المتكررة. ومع ذلك، يُجمع المراقبون على أن الانفتاح الكردي الأخير على العواصم العربية يشكل خطوة استراتيجية في كسر العزلة السياسية التي حاولت أنقرة فرضها خلال السنوات الماضية.
على الصعيد الداخلي، تعمل الإدارة الذاتية على تعزيز وحدة الصف الكردي والمجتمعي من خلال تفعيل الحوار بين القوى السياسية الكردية في سوريا، وطرح رؤية موحدة للحل السياسي، تُؤكد على وحدة الأراضي السورية، واللامركزية الديمقراطية، وضمان حقوق جميع المكونات.
إن هذه التحركات لا تأتي في سياق رد فعل مؤقت، بل تُعبّر عن تحوّل استراتيجي في الرؤية السياسية الكردية، التي باتت تعتمد على توسيع شبكة العلاقات الإقليمية والدولية، وإيجاد توازنات واقعية تردع العدوان التركي، وتفتح الباب أمام شراكة أوسع مع القوى الدولية والإقليمية الداعمة للاستقرار.
وفي المحصلة، يبدو أن الكرد في شمال وشرق سوريا يتجهون نحو مرحلة جديدة من العمل الدبلوماسي والسياسي المنظم، تهدف إلى كسب الاعتراف الدولي بتجربتهم الديمقراطية، وحماية مكتسباتهم من التهديدات المستمرة. وبينما تستمر تركيا في سياساتها العدوانية، تواصل الإدارة الذاتية المضي في طريق الحل الوطني الديمقراطي، القائم على الحوار والتشاركية، كخيار استراتيجي لا بديل عنه.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.