الأزمات الداخلية تعرقل مساعي سلطة دمشق في الحصول على الشرعية الدولية
تسعى سلطة دمشق منذ بداية شهر أيار الجاري كسب نوع من الشرعية الدولية عبر حملة دبلوماسية خارجية حاولت من خلالها فرض نفسها كسلطة أمر واقع. وفي سبيل الحصول على هذه الشرعية اختارت سلطة دمشق 3 دول كمرتكزات لتحقيق الاندماج في المجتمع الدولي وهي فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل والتي تعد قوى رئيسية في إدارة الملف السوري. رغم ذلك يرى المراقبون أن سلطة دمشق أمام خيارين، الأول إدارة الدولة السورية من خلال النظام المركزي على غرار نظام البعثي وتحيّن الفرص للانقضاض على المناطق الخارجة من سيطرتها، والثاني هو إقامة نظام لامركزي تتمتع فيها الطوائف والقوى السياسية بنوع من الإدارة الذاتية لشؤونها. ويبدو أنها لا تزال تصر على الخيار الأول خاصة بعد تعيين مجرم الحرب “حاتم أبوشقرا” قائداً عسكرياً للمنطقة الشرقية، واستمرار الجماعات التابعة له في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على الهوية الطائفية في الساحل السوري وحمص، وشن هجمات على مناطق الدروز في محافظة السويداء وشن حملة كراهية ضدها. ما يعني أن سيناريو نهاية النظام البعثي سيكون مصير النظام الجديد مهما طال فترة حكمه.
وفي إطار تسويق نفسه كرئيس للدولة السورية زار رئيس سلطة دمشق “أحمد الشرع” العاصمة الفرنسية باريس وإلتقى خلالها الرئيس الفرنسي ماكرون، وتم تبادل المجاملات خلال الزيارة، إلا أنها لم تفضي إلى نتائج حاسمة، على الرغم من حصول الشرع على وعود من ماكرون بالسعي لرفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، بدءاً من الأول من حزيران، موعد انتهاء مهلة العقوبات المفروضة عليها حالياً، وتعليقاً على هذا الأمر أوضحت مصادر في قصر الإليزيه لوكالة “الشرق”، أن فرنسا لم تغير موقفها من التطورات في سوريا، وشددت على أن دعم فرنسا لأي انفتاح تجاه دمشق يتوقف على التزام سلطة دمشق بتعهداتها، خصوصاً في ما يتعلق باحترام التعددية، وحماية الأقليات، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، ما يعني أن الأزمة السياسية الداخلية السورية لا تزال تشكل العائق الرئيسي أمام سلطة دمشق لنيل اعتراف دولي.
على صعيد متصل، كشفت صحيفة أمريكية عن مساعي الشرع الإلتقاء بالرئيس الأمريكي ترامب أثناء زيارته المرتقبة إلى دول الخليج العربية، وكشفت “وول ستريت جورنال” عن عرض الشرع لترامب تمثل رؤيته الخاصة لإعادة إعمار سوريا، والمستلهمة من “خطة مارشال” التي ساعدت في إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وأشارت الصحيفة إلى أن الشرع نقل رسمياً رسالة إلى البيت الأبيض يطلب فيها لقاء ترمب أثناء زيارته المتوقعة إلى السعودية وقطر، ما يعني أن الشرع يحاول من خلال منح الامتيازات للشركات الأمريكية والأوروبية لتكون المستفيد الأكبر من مشاريع إعادة الإعمار تحسين العلاقات مع الإدارة الامريكية. إلا أن الموقف السياسي الأمريكي تجاه سلطة دمشق لا يزال ثابتاً ويتمثل بعدم الاعتراف بها كسلطة شرعية في سوريا، بسبب عدم قيام دمشق بتنفيذ المطالب الأمريكية المتمثلة بمنح الأقليات حقوقها والاتفاق مع الكرد والتخلص من الأسلحة الكيميائية وعدم تشكيل تهديد لدول الجوار ومحاربة تنظيم داعش، وعلى الرغم من قيام دمشق بخطوات تجاه هذه المطالب إلا أنها لم ترقى الى المستوى المطلوب. تجلى ذلك بوضوح من خلال رفض إشراك الكرد والدروز والعلويين في إدارة البلاد، كما أن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان يجعل الأمريكيين يصرون على عقوباتهم على دمشق. ووفقاً للبروفسور هنري باركي، الزميل الأول في دراسات الشرق الأوسط لدى مجلس العلاقات الخارجية، أن المشكلة تتعلق بشكل أكبر بـ”مسألة القيادة، وعجزه عن السيطرة على المتطرفين في حكومته ومؤسساته”، مستشهداً بـ”الانتهاكات الأمنية” التي وقعت في اللاذقية وطرطوس، معتبراً أن الشرع لم يتمكن من توحيد البلاد بشكل حقيقي.
بخصوص العلاقة مع إسرائيل، كشف أحمد الشرع خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، عن وجود مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل.
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن عقد ثلاث جولات من المحادثات بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين بوساطة إماراتية، في إمارة “أبو ظبي” تم فيها تحديد المواقف السياسية، وشدّد الوفد الإسـ.ـرائيلي على أن تل أبيب لن تتسامح مع التعدي على الدروز.
يؤكد مختصون في الشأن السوري أن الأزمة بين سلطة دمشق والقوى السياسية السورية الأخرى تشكل عامل رئيسي في جعل سلطة دمشق كسلطة لا تمتلك المقومات اللازمة للشرعية، ولتجاوز هذه المشكلة يتعين على رئيس سلطة دمشق أحمد “الشرع” التركيز على تحقيق مصالحة وطنية حقيقية في سوريا وفرض الأمن والاستقرار في المناطق المتوترة، وطلب المساعدة المباشرة من قوات سوريا الديمقراطية لتحقيق السلام في سوريا، بدلاً من التركيز بشكل كامل على الزيارات الخارجية…
نورث بالس
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.